ارشيف من :آراء وتحليلات

بغداد وبيروت وزيارة العماد

بغداد وبيروت وزيارة العماد

كانت مبادرة ذكية ومعبرة من قبل الرئيس العراقي فؤاد معصوم، تجاه ضيفه الرسمي، الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، حينما فاجأه بقالب حلوى كبير، احتفاء بعيد ميلاده الثالث والثمانين.
ولان العماد عون لم يتوقع مثل تلك المفاجأة، ولأنه ليس من المتعارف ان يتم الاحتفاء برئيس دولة في دولة اخرى، بمناسبة عيد ميلاده، عبر مراسيم احتفالية خارج نطاق البروتوكول، فإن من تابع بتمعن، قرأ الحدث من زاوية سياسية صرفة، وهذا امر طبيعي جدا، في سياق فعل وحراك سياسي على أعلى الصعد والمستويات.

اولا، ما ينبغي الاشارة اليه هو ان زيارة الرئيس عون للعراق، يوم الثلاثاء الماضي، العشرين من شهر شباط-فبراير الجاري، تعد الاولى من نوعها لرئيس لبناني، منذ سقوط نظام صدام قبل خمسة عشر عاما، وكذلك الاولى منذ ثلاثين عاما، فحتى في مؤتمر القمة العربية، الذي عقد في العاصمة العراقية بغداد عام 2012، كان التمثيل اللبناني متواضعا، اذ ترأس وفد لبنان في حينه الى القمة، مدير عام وزارة الاقتصاد فؤاد فليفل، ولم يكن تواصل بيروت الرسمي مع بغداد طيلة الاعوام الخمسة عشر المنصرمة بمستوى الطموح رغم وجود ارضيات جيدة للعلاقات والقواسم المشتركة بين الجانبين، مع التأكيد على ان قنوات التواصل السياسية غير الرسمية، كانت جيدة.
وثانيا، ان هناك ملفات عديدة مهمة، بين بغداد وبيروت، ينعكس تحريكها وتفعيلها، ومعالجة بعض العقد والسلبيات فيها، ايجابيا على كلا الطرفين، وهذه الملفات، بعضها اقتصادي، وبعضها امني، وبعضها الاخر سياسي، وكلها متداخلة ومتشابكة.
ربما لم يكن متاحا للرئيس عون ان يبحث ويناقش كل التفاصيل والجزئيات مع من التقاهم في بغداد، خلال ثمان واربعين ساعة لا اكثر، بيد انه من دون شك، حدد المسارات والمنطلقات المطلوبة والمتاحة.
أمنيا، يشكل التحدي الارهابي هما وقاسما مشتركا لكل من العراق ولبنان، ولعل ما يحاك للبنان من مخططات تخريبية لا يختلف عما يحاك للعراق.
ومثلما يقال، فإن هناك قواسم مشتركة بين البلدين، مثل مكافحة الإرهاب، الذي يعتبر ملفا واحدا ومشتركا بينهما، ومكافحته مشتركة في سوريا والعراق ولبنان والأردن، وهو ما يخدم الجميع أمنيا من خلال التنسيق المعلوماتي بين هذه الدول.
في ذات الوقت، يرى مراقبون في بغداد، ان زيارة عون للعراق تشكل خطوة مهمة بعد ما حدث من التطورات في محاربة الإرهاب والانتصارات الأخيرة التي حققها العراق الذي يملك أكبر قاعدة بيانات ومعلومات عن الإرهابيين.
وطبيعي ان تكون احداث سوريا -لا سيما ما يجري في عفرين- والتوترات بين سوريا والكيان الصهيوني بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية، وزيارة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون للعراق ولبنان، ومؤتمر ميونخ، حاضرة على طاولة النقاش بين الرئيس عون وكبار الساسة العراقيين، باعتبار ان كل ذلك يؤشر الى أن هناك تحولات مرتقبة في المنطقة وخاصة ضد تنظيم داعش، وسعي الولايات المتحدة الاميركية لانشاء قواعد عسكرية في العراق والمنطقة، وهو ما يعني مزيدا من الفوضى والاضطراب والهيمنة الصهيونية، الامر الذي يتطلب تنسيق وتظافر الجهود لقطع الطريق امام الاجندات والمخططات الاميركية-الصهيونية.
 وربما لا يقل الملف الاقتصادي اهمية عن الملف الامني بالنسبة لكل من بغداد وبيروت، مع التأكيد على حقيقة ان النشاط والازدهار الاقتصادي يحتاج الى بيئة امنية مستقرة، أي ان الامن يشكل مفتاحا اساسيا للاقتصاد، وهذه حقيقة لا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهلها او القفز عليها.
وهناك شركات ومصارف لبنانية تنشط في السوق العراقية، ورجال اعمال لبنانيون لديهم مشاريع استثمارية في قطاعات مختلفة في العراق، وهناك اعداد لا يستهان بها من اللبنانيين يأتون للعراق سنويا، لزيارة المراقد الدينية المقدسة، في مقابل ذلك فان الوجود العراقي في لبنان، لأغراض السياحة والدراسة والعمل، والعلاج الطبي، يكاد يشكل علامة فارقة في المشهد اللبناني العام.

ولعل معالجة بعض المعوقات الفنية، من قبيل آليات منح تأشيرات الدخول، وما يتعلق بها من امور، يمكن ان ترفع وتيرة الحراك ذي الطابع الاقتصادي-التجاري بين البلدين. وخلال اجتماعات عون مع معصوم والعبادي والجبوري وعلاوي، تم التأكيد على ضرورة تسهيل إجراءات منح سمات الدخول بين البلدين، لما في ذلك من انعكاس إيجابي على تنمية اقتصادهما وتفعيل لقطاعي السياحة والطيران فيهما.
ويشير الكاتب اللبناني فادي عكوم بهذا الشأن الى "ان الملف الاقتصادي قد يكون مهمشا، ولكن في المرحلة القادمة سيكون في صلب المحادثات والنقطة الأساسية التي ينطلق منها الجميع، لأن العراق يريد أن يستفيد من جميع الخبرات اللبنانية، وتناول هذا الملف في الزيارة فرصة للبنانيين للخروج من الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني ورجال الأعمال اللبنانيين، لأن هناك عددا من رجال الأعمال اللبنانيين في العراق، وهذا سيخدم موقفهم في مسألة إعادة الاعمار في العراق".
ويؤكد عكوم "إن لبنان هو الرئة للعراق، وهناك تبادل تجاري كبير ومالي بينهما، ولبنان بحاجة الى الاقتصاد العراقي فلديه خبرة وعقول مهمة في إدارة الأزمات والدعم المالي وهذا يدفعهم للمشاركة في إعمار العراق بقوة، وخاصة أن لبنان من الدول المرحب بها في العراق على المستوى الشعبي والحكومي".
والامر المهم هنا، هو ان هناك اتفاقيات اقتصادية ابرمت بين الجانبين بعد سقوط النظام السابق في عام 2003، ولكن لم يتم تفعيلها، لاسباب وظروف سياسية استثنائية شهدها العراق ولبنان والمنطقة، برزت دعوات واضحة خلال زيارة عون لاعادة احيائها، لا سيما تلك المتعلقة بتصدير النفط العراقي عبر موانىء لبنانية، مثلما هو حاصل مع تركيا والاردن.
ولا شك ان المواقف السياسية المنسجمة لكلا الطرفين، حيال قضايا المنطقة، وصياغة الرؤى والتصورات المشتركة، هو ما يجعل الملفات الاخرى المشتركة تتحرك في مسارات صائبة، وطرق سالكة، وعلى اسس متينة.
وتبدو الملامح والمؤشرات، سابقا وحاليا، جيدة ومشجعة الى حد كبير، وقد كان موضوع القمة العربية المزمع انعقادها في السعودية خلال شهر اذار-مارس المقبل، احد ابرز العناوين التي حظيت ببحث مفصل بين صناع القرار في بغداد وبيروت، من اجل ان يكون هناك صوت واضح وقوي حيال ما تشهده المنطقة من مشاكل وازمات، وكيفية حلها ومعالجتها بأقل كلفة ممكنة.

2018-02-24