ارشيف من :نقاط على الحروف

’سفينة محمد سعيد’ المصرية .. أين اختفى ركابها؟

’سفينة محمد سعيد’ المصرية .. أين اختفى ركابها؟

تحقيق: القاهرة - ليلى خالد

على مدار ما يزيد عن ثلاثة أعوام، تحوّلت حياة عبد الفتاح عطية ابن مدينة بنها ـ 45 كم شمال العاصمة المصرية القاهرة ـ إلى رحلة بحث لم تنته بعد عن شقيقه أحمد، والذي اختفى على متن سفينة للهجرة غير الشرعية انطلقت من شواطئ مدينة دمياط الساحلية في السادس من أيلول/ سبتمبر 2014، واختفت السفينة بمن عليها منذ ذلك الوقت، مع تأكيدات متلاحقة بأن شقيقه حي يرزق بأحد السجون الحربية.
في غرفة صغيرة في منزل والد المفقود محمد ناصر بمدينة أجهور الصغرى في محافظة القليوبية، التقى موقع "العهد الإخباري" بعدد من أهالي المفقودين، كان منهم عبد الفتاح الذي تطوع ليروي القصة بأكملها قائلا "المجموعة المفقودة كانت موجودة بأكملها في شقة بكورنيش المرسي أبو العباس بالاسكندرية قبل سفرها بشهر ثم تم نقلها بسيارات تابعة للسماسرة إلى دمياط لينطلقوا على السفينة الساعة الحادية عشرة ليلاً طبقا لآخر اتصال جرى بيني وبين أخي".
ويضيف عبد الفتاح "السفينة كانت تضم 400 شخص بينهم 60 مصريًّا، والبقية موزعون بين أفارقة وفلسطينيين وسوريين، وتحمل اسم "محمد سعيد" ومملوكة لشخص يدعى سعد سمير، ولا تحمل رقمًا او ملفًّا بميناء دمياط، كما ان سمير قدّم ما يفيد بأن السفينة تم بيعها قبل حادثة الهجرة، إلا أن ما تم توثيقه هو 292 مهاجرا فقط على متنها".

 

’سفينة محمد سعيد’ المصرية .. أين اختفى ركابها؟
عبد الفتاح عطية: لم يركبوا السفينة!


ويكمل عبد الفتاح روايته: "بعد انقطاع أخبار السفينة، توقعنا أنها يمكن أن تكون قد غرقت، فتوجهت إلى الشقة التي كانوا بها، فأنا أعرفها، فقد ذهبت اليها أكثر من مرة، فوجدتها مغلقة وعرفت انها كانت مؤجرة بنظام المفروش، وعلمت من صديق لي هناك أن الشقة كانت مرصودة من قسم الجمارك بالاسكندرية، وان من كانوا فيها، تم نقلهم لمركز شباب الانفوشي الذي كان في هذه الفترة مركز لايواء اللاجئين، فتوجهت إلى هناك لأجد سكرتير مدير الأمن، وسكرتير المحافظ وعقيد شرطة، وحين سألت عن أخي تم اخباري أن الموجودين فقط من الجنسيات الأخرى".
يضيف: "بعد ذلك توجهت إلى قسم شرطة الجمارك بالاسكندرية وسألت عن الضابط المسؤول عن القضية فلم أجده، وبالاطلاع على الدفتر وجدت أسماء آخرين كانوا على متن الرحلة، وبعد يومين ذهبت لمركز شباب الانفوشي مرة أخرى، فأخبرني أحد الموظفين المدنيين أنه رأى أخي بالمركز وأدخل له الطعام حين أطلعته على صورته".
وأضاف عبد الفتاح أن "ركاب السفينة مقسمون إلى 3 أقسامأ القسم الاول استطاع ركوب السفينة وبينهم 9 استطاعوا النجاة بعد غرق السفينة في 10 أيلول/ سبتمبر 2014 على الحدود الليبية، والبقية تم ضبطهم على الشاطئ أو اثناء توجههم للسفينة عبر القوارب".

’سفينة محمد سعيد’ المصرية .. أين اختفى ركابها؟
الحاج عبد المنعم عبد الحميد: ابني حي!

 

المجهول والهاتف

أما عبد المنعم عبد الحميد، والد المفقود محمد عبد المنعم، فقد كانت له قصة خاصة، فبعد فقدان الاتصال بابنه ظن انه قد لقي حتفه، إلى أن جاء شخص وصفه بان عليه امارات "الشياكة والغنى" وقال له أن ابنه حي، وأن عليه دفع مبلغ 10 آلاف جنيه ليطمئن على ابنه، ووافق على دفع المبلغ شريطة الاطمئنان أولا.
ويقول عبد المنعم: "أحضر هذا الشخص لي هاتف ابني وطلب لي رقماً، وأعطاني الهاتف فكان الصوت على الطرف الآخر صوت ابني ولزيادة التأكد سألت ابني عن عدة امارات بيني وبينه فأكدها، وبعدها اظهر لي ذلك المجهول صورة لابني وهو ينتقل من سيارة المهربين إلى سيارة الشرطة".
يضيف: "هاتف ابني ظل مفتوحاً لمدة 3 شهور ولكن النيابة رفضت منحنا إذنًا بتتبعه وبعد دفع مبلغ من المال عرفنا ان الهاتف كان في قسم شرطة الجمارك".
ويلتقط طرف الحديث محي الدين ابراهيم عاشور، والد المفقود عبد الله، قائلاً "منذ تاريخ فقدان المركب وحتى الآن لم نترك بابًا إلا وطرقناه فتوجهنا إلى الشرطة والنائب العام ومجلس الشعب والمجلس القومي لحقوق الانسان، دون جدوى، وذهبنا لمقابلة الرئيس إلا انه تم القبض علينا وافرج عنا بعد ما يقرب ساعة".
ويضيف: "بعد الحادث تجمعنا سوياً، وكل من لديه علاقة بشخص يمكن ان يكون وسيطًا من الشرطة او الجيش او المخابرات اتصل به، وبعد دفع مبالغ مالية استطعنا معرفة ان اولادنا في سجن العزولي الحربي، وتم نقلهم إلى معسكر الجلاء ثم إعادتهم للعزولي مرة أخرى، ومنها إلى معسكرات عزت شرف".

’سفينة محمد سعيد’ المصرية .. أين اختفى ركابها؟
اثنان من ركاب السفينة المفقودين

 

تهديد في البرج

كان البحث عن صاحب السفينة بواسطة الاسم فقط في دمياط صعباً لكنه لم يكن مستحيلا، فبعد عدة لقاءات (ادعت فيها المحررة أنها تحاول الهجرة من مصر)، تم توجيهها لقرية عزبة البرج، وهناك كانت الصعوبة في رفض المهربين التعامل مع مهاجرين إلا من خلال السماسرة الموثوق بهم، مما اضطر المحررة لكشف حقيقة سؤالها عن سعد سمير.
رغم استعانة المحررة بأحد أبناء دمياط ليكون حافز ثقة لصاحب السفينة فلا يخشى من الحديث اليها، إلا أن الرد كان عبر وسطاء بأنه يرفض الحديث للاعلام، وأن الأفضل للمحررة ترك دمياط في أسرع وقت ممكن.

’سفينة محمد سعيد’ المصرية .. أين اختفى ركابها؟
عبد العزيز عوف

 

26 مفقودًا من عائلة واحدة

عبر تطبيق "ماسنجر" تواصلنا مع "أبو راغب بكر"، بقطاع غزة الذي فقد 26 من عائلته بينهم أخوه وأولاد اخيه، واثنان من أبنائه و5 من أولادهم كانوا على متن السفينة، الذى أكد أن البحر لا يبتلع الجثث، ولذلك نسأل في حال مات من كان على المركب، فأين الجثث؟ وأين أمتعتهم؟.
وأضاف بكر أن "السفينة لم تنطلق من الشواطئ المصرية من الاساس، وتم القبض على ركابها قبل ركوب السفينة".
وشدد على أن "ملف المفقودين لم يتبناه أحد إلى الآن، فالجهات المعنية والرسمية والحقوقية لا تحرك ساكناً لبذل جهود للكشف"، مطالبا السلطة الفلسطينية بـ"التحرك لدى الحكومة المصرية لكشف مصير السفينة وركابها".
وكشف بكر أن أهالي المفقودين في قطاع غزة أطلقوا هاشتاغ #ليش_مفقود للمطالبة بالكشف عن مصير المفقودين.
ويبلغ عدد المفقودين الموثق 292 شخصًا، بينهم 66 مصريًّا، منهم 6 هم طاقم المركب، 134 فلسطينيًّا و48 سوريًّا و10 سودانيين و34 لم يتم تحديد جنسياتهم بعد، بينهم 111 طفلًا و20 امرأة

منسيون

من جانبه يقول الباحث نور خليل، منسق مشروع "بلادنا اولي بولادنا" سابقاً، وهو برنامج لمكافحة الهجرة غير الشرعية للاطفال بالتعاون مع جمعية الشباب للسكان والتنمية وهيئة انقاذ الطفولة وبدعم من الاتحاد الاوروبي، أن "هناك حالات كثيرة لمختفين كانوا يحاولون الهجرة، وأغلب هذه الحالات تم القبض عليها على الحدود السودانية أو الحدود البحرية، وأغلبهم من أصحاب النشاط السياسي".
وأضاف خليل أن "المرجح في هذه الحالة ان المفقودين تم رصدهم والقبض عليهم والتحقيق معهم، ثم نسيانهم بالسجن أو المعسكر الذي تم إيداعهم فيه"، مشيراً إلى "امكانية ان يكون هناك ضحايا توفوا أثناء التحقيق معهم وهولاء لن يظهروا ابدا ولن يعرف اي شخص بذلك لعدم وجود سجلات رسمية، أما البقية فمن المتوقع ان يظهروا على ذمة قضايا، وهو ما تكرر مع حالات كثيرة".
وشدد خليل على "ضرورة ان يقوم الاهالي بتقديم بلاغ للنائب العام، والضغط من أجل فتح تحقيق رسمي حول الحادث".

ليست مسؤوليتنا

توجه "موقع العهد" إلى السفيرة نائلة جبر، رئيس اللجنة التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية بمجلس الوزراء، التي رفضت التعليق، واكدت أن هذا الحادث خارج نطاق اختصاصات اللجنة التي مهمتها تتلخص في محاولة منع الهجرة، وأن جهات الأمن فقط هي المسؤولة عن مصير ركاب السفينة.

2018-03-01