ارشيف من :أخبار لبنانية
أرقام الموازنة تضيق بدارسيها.. إقرار أم ترحيل!
في كل مرة تنكب فيها القوى السياسية في لبنان على دراسة مشروع الموازنة، لا نسمع سوى الحديث عن عجز يبلغ مليارات، وعن دين عام يحد من قدرات الدولة المالية. هذا الواقع ليس جديداً، رغم أن بعض الحكومات شهدت فائضاً مالياً في وارداتها إذا ما استثنينا نسبة الدين العام. ولعلّ أكثر ما يعانيه البلد يتمثّل في غياب سياسة اقتصادية شاملة تُخرج الاقتصاد من عنق سياسة تقسيم الكعكة. هذه النقطة تكاد تكون "مشكلة المشكلات" في لبنان. فلا رؤية اقتصادية شاملة تُحدّد مستقبله وتعمل على تحسين دورة الاقتصاد، ولا محاسبة فعالة توقف مغارات الهدر والفساد. ولعلّ من أكثر المرات التي تقصُر فيها يد الحكومة عن التخفيف من العجز كانت هذه المرة. 12 ألف مليار ليرة بلغت قيمته، بموازاة عُسر تواجهه اللجنة الوزارية المكلفة دراسة مشروع الموازنة في محاولة تخفيفه. جلسات متتالية تعقدها، وفي كل مرة تضيق الأرقام بدارسيها. النية السياسية لإنجاز الموازنة موجودة لدى الجميع، لكنّ قيمة العجز مقلقة وتؤشر لوضع مالي غير مريح، وفق ما يؤكد عضو اللجنة وزير الشباب والرياضة محمد فنيش لـ"العهد".
جلسات شبه يومية تعقدها اللجنة الوزارية. الشغل الشاغل لدى أعضائها يتمثّل بتخفيض مستوى العجز الى حد مقبول، يوازي بنسبته أرقام السنة الماضية، على الأقل. يلفت الوزير فنيش الى أنّ المتابعة حثيثة والجهد ينصب لتخفيض النفقات في الوزارات، لكن هناك نفقات لا يمكن أن نقتصد بها لأنها متوجبات ضرورية كالأجور والرواتب والماء والكهرباء وغيرها، فالنفقات تشكّل 81 % من قيمة الموازنة. يوضح فنيش أن مبدأ تخفيض النفقات ضروري ولكنه غير كاف، فهناك أرقام ضخمة لها علاقة بخدمة الدين العام، وهنا يشير الى عمل مشترك مع البنك المركزي لدراسة تخفيض الفوائد على الدين، لكنه أيضاً يؤكد أن هذا الأمر غير كاف، فالأمور تحتاج الى سياسات اقتصادية على المدى الطويل، وخارطة طريق واضحة لإيقاف الهدر، وزيادة الإيرادات التي تنشّط الاقتصاد على خزينة الدولة دون إرهاق المواطن بالضرائب وزيادة الأعباء على الشعب.
وفيما يُشاع كلام عن احتمال ترحيل الموازنة الى ما بعد الانتخابات النيابية، يشدّد فنيش على أنّ المصلحة في إقرارها، ولكن مع نسبة عجز معقولة، حفاظاً على صورة لبنان دولياً، خصوصاً أنه مقبل على مؤتمرات دولية. لغاية الآن، يقول فنيش " العجز مقلق جداً، والبحث جار عن إيرادات، تم الحصول على نسبة منها، ولكن خجولة، فبعض المواد التي وضعت في الموازنة تنظر في تسويات ضرائبية متراكمة، وتسويات على الاملاك البحرية، لكن الحل الوحيد للخروج من نفق العجز المتراكم يكمن في المطلب القديم المتمثل بإيجاد سياسة اقتصادية شاملة وفعالة".
بدروه، يصف الخبير الاقتصادي حسن مقلد مشروع موازنة عام 2018، بأسوأ المشاريع التي تدرس حتى اليوم، نظراً لنسبة العجز الذي يحتويها. فتاريخ لبنان شهد بعض الموازنات التي احتوت على فوائض مالية، ولم يشهد هذه الأرقام المقلقة جداً. يأسف المتحدث كثيراً للوعود التي أطلقت عام 2017، إبان دراسة الموازنة، والأصوات التي علت لضبط الواردات والإنفاق غير المجدي في الموازنة الحالية (2018)، والتي تبخّرت في الهواء. يُعدّد أحد الأسباب التي أوصلت الحكومة الى هذا المستوى من العجز المالي، والتي أبرزها إدخال جيش كبير من الموظفين على فاتورة الدولة، بعضهم لا حاجة له، وبعضهم ينقصه الكفاءة، ما وسّع دائرة الإنفاق لآلاف المليارات، وهذه خطوات لا عقلانية في بلد يمر بظروف مالية دقيقة وحساسة، وفق مقلد.
لا يرى الخبير الإقتصادي مخرجاً لتقويم المالية العامة للدولة سوى بسياسة اقتصادية شاملة وسليمة، بعيداً عن ابر المورفين والمعالجات الجزئية والآنية. وللأسف يقول المتحدث " لم يُقدّم المسؤولون رؤى اقتصادية لمعالجة الوضع المالي الدقيق في مختلف الحكومات المتعاقبة". يشدّد مقلد على ضرورة ضبط الهدر ومحاسبة من يستبيح البلد، فضلاً على ضرورة التفات المسؤولين لمصلحة المواطن وجعلها فوق أي اعتبارات أخرى.