ارشيف من :نقاط على الحروف
التناغم الإستراتيجي بين روسيا وإيران: بوابة لصنع التحوُّل في السياسة الدولية
محمد علي جعفر
يعيش العالم أزمة ثقة بين الأطراف واللاعبين الدوليين والإقليميين، وهي الحال التي يمكن إطلاقها تحديداً على العلاقة الأمريكية الروسية التي يبدو أنها تمر بأزمة حالية تتخطى التنافس الدولي وتناقض المصالح بين الطرفين. الأمر ذاته ينطبق أيضاً على العلاقة بين الصين وأمريكا، ولكن بحدة أقل، وهو ما بات يطرح أسئلة حول مستقبل النظام الدولي في ظل هذا الصراع المُحتدم.
لكن الأسباب الحقيقة للصراعات بين هذه الأطراف، هي في الحقيقة أسباب تتعلق بالموارد الإقتصادية التي تُرسم على أساسها المصالح المشتركة. وهنا، برزت متانة العلاقة الروسية الإيرانية، كنموذج لإدارة الشراكة، بشكل يتخطى المصالح الظرفية. ما بات يُشكِّل نقاشاً يُطرح في ندوات السياسة الدولية.
فما هي العوامل التي ساهمت في تعزيز الثقة بين الطرفين؟
عدة عوامل تُعتبر مبدئية في العمل السياسي بين الطرفين، ساهمت في تعزيز الثقة وأدت لتطوير آفاق التعاون وساهمت في إيجاد التناغم الإستراتيجي بين الطرفين، نُشير لها فيما يلي:
- سوق الطاقة العالمي
إن أحد أهم نقاط القوة المشتركة التي تمتلكها كل من روسيا وإيران تتعلق بطبيعة الموارد التي يمتلكها البلدان، حيث أن ما تمتلكه روسيا من غاز جعل سقف الخطاب الأوروبي معها مُغاير للسقف الذي ترغب به أمريكا لأسباب تتعلق بالحاجة الأوروبية لروسيا في هذا المجال.. وهنا سعت الدول الأوروبية بعد الإتفاق النووي الى إستمالة الطرف الإيراني لصالحها في محاولة لنقل العلاقة الروسية الإيرانية الى مرحلة من التنافس الإقتصادي لا سيما في ملف الغاز. لم تنجح هذه المحاولة، وبقيت المبدئية التي اتصفت بها السياسة الإيرانية الدولية على الصعيدين السياسي والإقتصادي مع روسيا، أساساً في العلاقة بين الطرفين
- التجربة المشتركة والعلاقة التاريخية
إن التعاون الموجود بين الطرفين حالياً، يأتي ضمن مسار قديم من التنسيق والتعاون الخفي، قبل أن تطفو العلاقة الإيرانية الروسية على سطح السياسة الدولية كنتيجة للأزمة السورية. وهذا ما تُظهره الشراكات الكبيرة في القطاعات الصناعية ومذكرات التفاهم المُوقعة بين البلدين في عدة مجالات بالإضافة الى وجود مؤسسات تنقيب مشتركة وتبادل للتكنولوجيا النووية بين البلدين.
- المصالح المشتركة والقدرة على إدارة الشراكة
جرت عدة محاولات من خلال دول في المنطقة لإخضاع إيران إقتصادياً من خلال سوق الطاقة، وهو ما تلاقى مع المحاولات الأمريكية لضرب الإقتصاد الروسي عبر سعر النفط، الأمر الذي أثمر أرضية للتعاون المُشترك بين كلٍ من طهران وموسكو ساهمت في التنسيق للحفاظ على استقرار السوق النفطي، وذلك عبر التحكم بحجم الإنتاج.. كما أدت العقوبات الإقتصادية الغربية على كل من إيران وروسيا الى تكوين أُطر مشتركة لمواجهة الإبتزازات الأمريكية الغربية.
إذاً، يبدو واضحاً من خلال ما تقدم، أن لعبة المصالح الدولية يتغلَّب عليها الطابع الإقتصادي، وهو ما يعرفه جميع اللاعبين. في حين، يبقى الواقع المُعقَّد للسياسة الدولية التحدي الأكبر أمام هذه الأطراف لتحقيق التعاون المشترك. لكن التناقض في المصالح يُعيق أي محاولة للتقارب. في وقت باتت العلاقة الإيرانية الروسية والتي برزت خلال الأزمة السورية وما تزال، نموذجاً للتعاون وإدارة الشراكة. واليوم، يعيش العالم تحولاً في مراكز القوة الإقتصادية، حيث أن التعاون بين روسيا وإيران، لن يُساهم فقط في التأسيس لشراكةٍ حقيقية بل سيجعل مستقبل الطاقة بوابة لتحقيق تحولات في السياسة الدولية يقودها التناغم الإستراتيجي بين موسكو وطهران.