ارشيف من :تحقيقات
معلّمون شهداء.. لقّنوا الأجيال دروس الانتصارات
رجالٌ ما هابوا الموت.. عَرفوا أنَّ الثقافة هي شهادةُ الحياة، فعلّموا الأجيال كيف يكون صُنّاع المجد. تذكرهُم أروقَة المدارس، وتِلك الصفوفُ التي افتقدت طلّتهم وأصواتهم. اللوح، الطبشور، والدفاتر ما تزال تحتفظُ بخطوطِ أيديهم. كثرٌ هم أولئك الأبطال الذين كللوا العلم بدمائِهم فخلدتهم الذاكرة.
الشهيد محمود قعيق
لا ينسى طلاب "الليسيه أميكال مودرن" الناظر محمود محمد قعيق (حسّان). لم يتوانَ عن تكريس حياته خدمةً للعلم. الأمر الذي جعل المحيطين به يظنون أنّ مجال التعليم وحده استحوذ على اهتمام قعيق، في حين أنّ ما كان يخبئُه أكثر من ذلك بكثير. الشاب المثقف، الثري والأنيق جدًا، استطاع إِخفاء أمر انتسابه للمقاومة منذ 1996. وهذا ما يؤكّده والده الذي يعترف أنّ محمود لم يخبر والديه حتى بذلك. النّظارة السوداء، السيارة الفاخرة كلّ هذه التفاصيل كانت لا تعنيه، في حين كان يخبّئُ تحتها هدفه الأسمى مُصرًّا على بلوغ حلم الشهادة.
"صائد دبابات الميركافا" أو "جزّار الميركافا" من أهم تسميات الشهيد محمود بحسب رفاقه المجاهدين. تشهد عملية الوعد الصادق على بطولة قعيق، كما وتشهد العديد من عمليات الاستطلاع والرصد والعمليات العسكرية من موقعي سجد وبئر كلاب وغيرها على عمله الجهادي منذ انضمامه إلى صفوف المقاومة وحتى استشهاده في عيتا الشعب خلال حرب تموز (10/8/2006).
وتأكيدًا على نهج الشهيد، ما كان على مدير المدرسة - والد الشهيد قعيق- إلاّ أن غيّر اسم الثانوية فأصبحت "ثانوية الشهيد محمود قعيق". وبهذه الخطوة سعى لتخليد نهج ابنه الذي بات مدرسةً في تكريس معاني الحريّة.
الأستاذ الشهيد بشير علي علويّة
بذكائِه وتفوقِه تميّز الأستاذ الشهيد بشير علوية (استشهد في البياضة 12/8/2006). رغم صغر سنه استطاع تحصيل شهادتين مهمتين. تخرّج من كلية الهندسة - فرع المعلوماتية في الجامعة اللبنانية بجدارة، ثم التحق بجامعة "هاواي" ليدرس اختصاص "التصميم الزخرفي" الذي كان يعشقه.
لم يتوانَ الشهيد علوية عن استغلال كامل وقته في العلم. فإضافةً لدراسته الجامعية كان يدرّس في معهدين. ويلحظُ القريبون منه مدى اندفاعه للعمل، لاسيّما والدته التي تصفهُ "بالنشيط جدّا"، فكانت تدهشها قدرته على الجمع بين كل هذه المهام.
هدوء بشير ورصانته كانت من الأمور التي ميّزته أيضًا. يحكي عنها الأساتذة الذين كانوا معه خلال فترة تعليمه. أستاذ المعلوماتية والرياضيات كان دؤوبًا يبحث عما يغذي معرفته ويفيد به التلامذة. وهذا ما لفت مدير معهد "بيبلوس" خليل حيدر الذي أكّد أنّ "الشهيد استطاع نقل صورة الشاب المتعلم المقاوم بأروع تجلياتها". يقول حيدر "سعى الشهيد لتحصيل العلم لاستخدامه في خط المقاومة"، متمنياً على "الشباب الاقتداء بهؤلاء الشهداء المجاهدين المتعلمين الذين هم مصدر فخر الأمة وعزتهم".
الأستاذ الشهيد حسن علي جفال
يبدو أنَّ الأثر الذي تركه الاستاذ حسن جفال في نفوس طلابه صعب الاندثار. فكان رحيله كالفاجعة على من أحبه، فنشر بعض تلامذته قصائد رثاءٍ له. أستاذ مادة الكيمياء في ثانوية المصطفى (ص) - النبطية، ونجل الشّهيد علي جفال الّذي كان قد استشهد خلال عدوان تموز 2006، ترك بصمة لا تنسى في نفوس من عايشوه. تحكي منسقة مادة الكيمياء في الثانوية رولا بزي عن الشهيد الذي كان "صبورًا، متفانيًا، ومحبًا حتى بات أخًا وأبًا لتلامذته".
جفال الذي كان يستغل الوقت قبل بدء العام الدراسي، للتفرغ في خدمته الجهادية، كان يكرس نفسه خلال العام خدمة لطلابه. تضيف بزي "تعليمه في مدرسة المصطفى (ص) لحوالي سبع سنوات جعل التلامذة يتعلقون به لاسيّما أنّه بات قدوة لهم حتّى بعد استشهاده، حيث شجّعهم للمضي على الخط نفسه"، وتختم بزي "فخر لنا أن تقدم مدارس المصطفى (ص) أستاذًا من أساتذتها شهيدًا دفاعًا عن المقدّسات".
الناظر محمود قعيق، الأستاذ بشير علويّة، الأستاذ حسن جفال، هم من بين شهداء كثر عبّدوا طريق الحرية بعلمهم ودمائهم فكانوا مثالًا للتضحية لأجيال لم يدرسوها المواد الأدبية والعلمية وحسب بل درسوها مادة الحياة وكيف تُصنع الانتصارات.