ارشيف من :آراء وتحليلات
الحريري يرتب وضعه اللبناني وفق الحاجة السعودية
لا تزال زيارة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري الى السعودية وما انتهت إليه محادثاته مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وما سبق ذلك من زيارة للموفد السعودي إلى بيروت محط متابعة واستيضاح خلفيات ما ذهبت إليه توجهات المستقبل ورئيسه في الأيام الأخيرة وكذلك ما هدفت الرياض من وراء دعوة الحريري لزيارتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي كانت قادتها قبل بضعة أشهر للإطاحة برئيس المستقبل.
يبدو واضحًا بحسب مصادر سياسية متابعة انه بعكس اعتبار البعض ان ما بعد الزيارة الأخيرة للحريري الى الرياض كما قبلها وان شيئا لم يتغيير ليس دقيقاً، ولا ينطبق مع الوقائع التي تمخضت عنها عودة الحرارة الى العلاقة بين المستقبل والسعودية، وما يتوقع أن تشهده هذه العلاقة من عودة سعودية الى التدخل في الشأن اللبناني ولو بأساليب وطرق مختلفة "نوعا ما" عما كانت تقوم به في الأشهر الماضية.
لذلك، فالسؤال المركزي والأساس الذي يطرح نفسه، ما المتغييرات على صعيد العلاقة بين المستقبل والسعودية بشكل خاص وعلى مستوى التعاطي السعودي مع لبنان بشكل عام؟
في تقدير مصادر قريبة من تيار "المستقبل" ان السعودية لم تطلب شيئا من الحريري، بل إن النقاش كان حول تجنيب الساحة اللبنانية أي ارتدادات لما يسمية السعوديون دور حزب الله على المستوى الإقليمي وبما يمكن مما يعتبرونه "لبننة" حزب الله. وأن الرياض أعادت من خلال زيارة موفدها الى لبنان ودعوة الحريري لزيارتها التموضع على الساحة اللبنانية، إن على مستوى العلاقة مع الدولة اللبنانية او على مستوى العلاقة مع المستقبل، فالحريري أبلغ المسؤولين السعوديين ان اي فريق لبناني لايستطيع ان يلغي الآخرين في لبنان مهما كان عدد النواب الذين سيفوز بهم في الانتخابات النيابية والدليل على ذلك ما حصل بعد انتخابات عام 2009.
انطلاقا من كل ذلك، تلاحظ المصادر السياسية المتابعة حصول اكثر من متغّير في علاقة السعودية مع الحريري بعد زيارة الأخير للرياض، حيث تتوقف عند مجموعة وقائع اهمها:
ـ ان الحريري استطاع إقناع السعودية، أو أن الأخيرة أدركت أن سياساتها السابقة انتهت الى فشل ذريع في لبنان، ولذلك كانت أولى هذه النتائج عودة رئيس المستقبل من الرياض بترك المجال مفتوحا له للتحالف في الانتخابات النيابية، حيث يكون له مصلحة في ذلك، مع الحفاظ على إمكانية التحالف حيث أمكن مع "القوات اللبنانية"، وكل ذلك بالتوازي مع الحفاظ على تحالفه مع السعودية.
ـ تركت السعودية الحرية للحريري في طريقة تعامله مع حلفاء السعودية على الساحة السنية وأيضا في طريقة التعاطي مع خصومه داخل تيار المستقبل، بدءا من رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، ما يعني "كف يد" الأخير عن تحديد القرارات في المستقبل وبالتالي إبعاده عن أي إمكانية للعودة الى رئاسة الحكومة لاحقا.
ـ تمكن الحريري من إقناع ابن سلمان باستحالة اعادة تعويم فريق 14 آذار، كما كان يسعى ويرغب ابن سلمان لاستخدام الساحة اللبنانية كورقة ابتزاز ضد المقاومة، بل أن يستمر في "سياسة الغزل" مع العهد ورئيس التيار الوطني الحر سعيا لزرع الشق والفتور في علاقتهما مع حزب الله، دون أن يقطع علاقته مع رئيس حزب "القوات" سمير جعجع.
ـ لا تستبعد المصادر أن يكون من نتائج عودة الحرارة والتحالف بين الحريري والرياض لجوء السعودية إلى استبدال سفيرها في لبنان وليد اليعقوبي بالقائم السابق بالأعمال وليد البخاري، فرئيس المستقبل يتحدث عن أن الأخير على معرفة بتفاصيل الوضع اللبناني وخبير بشؤونه، وهو بذلك يدفع لاستبدال اليعقوبي بالبخاري خصوصا ان الأول كان قريبا من تامر السبهان، الذي كان في حدود كبيرة وراء ما حصل مع الحريري في السعودية قبل حوالي ثلاثة أشهر. من كل ذلك، تعتقد المصادر ان ما أطلقه وزير الداخلية نهاد المشنوق من مواقف سلبية في مؤتمر وزراء الداخلية العرب في الجزائر عندما توجه للوزراء قائلا "لا تيأسوا ولا تستسهلوا تسليم لبنان الى ايران وغيرها"، زاعما "أن ايران لم تنجح في أن تكون عامل استقرار وإنماء في بقعة تدخلت فيها". وقالت المصادر ان هذا الكلام يراد منه توجيه رسالتين، الرسالة الأولى بأن المستقبل عاد الى تموضعه وتحالفه مع السعودية، والرسالة الثانية ان هذا الخطاب التصعيدي هو للاستهلاك الانتخابي بهدف "شد" عصب تياره داخل الساحة السنية.
لذلك، تعتقد المصادر أن المستقبل يتجه نحو ترتيب وضعه بما يتناسب مع الحاجة السعودية في مقابل تنازلات سعودية للحريري على الساحة اللبنانية وحتى داخل تيار المستقبل.