ارشيف من :نقاط على الحروف

بانتظار عمل غير تقليدي لوقف عملية ’استبدال الجماهير’!

بانتظار عمل غير تقليدي لوقف عملية ’استبدال الجماهير’!

إيهاب شوقي

الفكر الاستعماري قائم على الميكافيلية بجوهرها الشهير "الغاية تبرر الوسيلة" كعمود فقري لخططه وتكتيكاته، وقائم على التفرقة والانفراد بالفريسة كعمود لاستراتيجياته.

وما بين الخطط والتكتيكات والوصول للاستراتيجية تمارس سياسات الفتن واستقطاب العملاء وتوظيف الانهزاميين، ويمارس التطبيق العملي للعصا والجزرة بالعدوان وشراء الذمم والابتزاز وكل ما نراه من سياسات استعمارية تتوحش وتبدو جلية في مراحل الضعف والانهيار والفرقة.

استخدم منطق الهوية العربية كحق يراد به باطل في الصراع الاستعماري مع الدولة العثمانية، ثم استخدم منطق الهوية الإسلامية كحق يراد به باطل للقضاء على الوحدة العربية.

وحاليا يستخدم منطق المذهبية لتقسيم المقسم ومحاصرة بؤر المقاومة!

في المقابل، فإن فكر التحدي والمقاومة لا يمتلك هذه الأريحية وهذا الهامش الكبير للتحرك؛ لأنه يرتبط بقيم وقيود أخلاقية، لا تعني افتقاد الدهاء والذكاء السياسي، بل تعني الالتزام بالوسائل النبيلة التي تتسق مع نبل الغاية.

قد يرى كثيرون أن هذا الالتزام يشكل نقطة ضعف للمقاومة، كما يلعب الاستعمار وذيوله على هذه المقاربة المتعلقة بنبل الوسائل والغايات، في مجال الاعلام والتضليل، لتضييق الحصار على المقاومة، إلا أن الجماهير العريضة لا ينطلي عليها ذلك التضليل إلا بشرط واحد، وهو الانسياق وراء الميكافيللية والاقتناع بأنها مرادف للسياسة، وهو ما يعني تغيروجداني وأخلاقي في منظومة قيم الجماهير، وهو المطلوب لدى الاستعمار.

من هنا تتكثف الحملات الإعلامية في مجال تغيير القيم والموروثات الجماهيرية، وتحديدا المتعلقة بالثوابت الوطنية وثوابت مقاومة الاستعمار.

وعليه يتم تزيين الأشياء التالية والتركيز عليها بحملات الدعاية:

* التطبيع مع العدو باعتباره مصلحة اقتصادية وباعتبار أن السياسة مجرد مصالح فقط.

* تبديل الأعداء وتبديل جوهر العداء بدلا من كونه صراعا وجوديا مع محتل غاصب يفرض شرعية الغصب بالقوة وبحكم الأمر الواقع الذي تفرضه موازينها، إلى عداء مع المخالف سياسيا أو ايدلوجيا.

* القاء تهم الإرهاب بشكل جزافي دون تعريف واضح، وهو ما يسمح بإغفال اعداء حقيقيين ووضع اعداء وهميين مكانهم وفقا للهوى السياسي ووفقا لم يريده الاستعمار.

* التهوين من قيم وموروثات تتعلق بالشرف والكرامة، مثل الأرض والحقوق والاصطفاف مع المظلومين والمستضعفين، والتهويل من فوائد المهادنة مع الظالمين والمستكبرين وتصويرها على أنها حنكة سياسية!

إذن المراد هو استبدال الجماهير بجماهير جديدة منزوعة القيم، ومعدلة وراثيا بقيم جديدة تتماشى مع الأجندة الاستعمارية، وذلك عوضا عن استبدال الأنظمة المهادنة والعميلة بأنظمة جديدة للتحرر الوطني!

هذا الاستبدال لو نجح، فسيكون أعظم انجاز استعماري على مر التاريخ، وهو بحق يمكن أن يطلق عليه صفقة القرن!

الشرق الأوسط الجديد والذي تحدث عنه شيمون بيريز، والذي تبدو الأحداث والتطورات الراهنة، تطبيقا لأدبياته، يفترض هذا الاستبدال، ويفترض أن المشكلة التي يجب تصويرها واقناع جماهير الشرق الأوسط (القديم) بها، هي الفقر نتيجة الحروب، وأن السلام هو الكفيل بالرخاء الاقتصادي الذي سيحول الشرق الأوسط الجديد الى جنة الأرض.

والسلام هنا هو التسليم والقبول بالسيطرة الصهيونية والقيادة لهذا الشرق الأوسط، ونسيان الموروثات البالية من قبيل استرداد كامل الحقوق والصراع الوجودي مع المحتل الصهيوني والمقاومة للاستعمار.

وبالتالي فإن المتمسك بخيار المقاومة والقابض على جمر التحرر الوطني، هو عدو لهذا السلام، وهو المتسبب في الفقر ومعاناة الشعوب!

هذه هي المقاربة المراد إيصالها إلى الجماهير، وهذه المقاربة هي السر الكامن في الضغط على الجماهير اقتصاديا، وهي السر وراء شروط صندوق النقد الدولي والتي تقود إلى إفقار الجماهير، حتى ترضخ لشروط الاستسلام وتقبل بشرق أوسط جديد، وتلعن كل مقاوم ومعطل لخروجها من محنتها.

وتصفية القضية الفلسطينية تشكل مصداقا واضحا لهذه المقاربة، فمقاومة الاحتلال ارهاب وتعطيل للسلام، والتطبيع والقبول بفتات الصهاينة هو حنكة سياسية وواقعية ومصلحة تقود الى الرخاء، وفي الطريق لاستبدال القيم وزرع وجدان جديد، يتم الضغط الاقتصادي عبر الحصار وتحويل بقايا الوطن إلى جحيم.

والمطلوب استعماريا لتنفيذ هذا الاستبدال منفذين محليين، سواء كانوا زعماء سياسيين، أو شعراء يتبعهم الغاوين من الكتاب والاعلاميين.

ويشترط في هؤلاء المنفذين أن يكونوا محل ثقة الجماهير وممثلين لمؤسسات دينية أو عسكرية تحظى بثقة الجماهير.

ولأن عملية الاستبدال ليست سهلة، ولأن طريقها ليس ممهدا، فإن منطق العصا والجزرة يستخدم بكثافة لإنفاذ هذه المهمة.

هذا هو واقعنا العربي والإسلامي، وإن سارت الأمور دون صدمة حميدة توقف مسار الاستبدال، فإنه في طريقه للنجاح بكل أسف.

هذه الصدمة الحميدة تتطلب عملا غير تقليدي، وتتطلب اصطفافا فوق العادة لفصائل وأنصار المقاومة والتحرر الوطني من مختلف الأطياف.

المقاومة النوعية في سوريا واليمن والعراق تشكل بوادر وإرهاصات لعمل غير تقليدي، وإذا اتحدت الفصائل وتشكل الظهير السياسي والشعبي لها، فإن العمل غير التقليدي والصدمة الحميدة المطلوبة تكون قد اقتربت من الحدوث لتوقف هذا المسار الخبيث لاستبدال الجماهير وصناعة جماهير شرق أوسطية جديدة!

هذا العمل غير التقليدي وهذه الصدمة الحميدة، هي محل اجتهاد الأحرار ويجب أن تدرج على أجندتهم.

2018-03-12