ارشيف من :نقاط على الحروف
’السفير النجم’.. و المعارضة المتأمركة!
في كل اختبار وطني تختار المعارضة المصرية المصنوعة أمريكيًا السقوط، ويتضح مدى زيف مزايدتها على نظام حكم، هي أولى منه بالإدانة، لولا أن بصر الشارع المصري بعيد عنها، وعن خياراتها وتوجهاتها الحقيقية، التي تنطلق فيها من رغبة بأداء دور بديل لسلطة قائمة، وتتفنن في لفت انتباه الغرب لإمكانياتها ومواهب أقطابها، في ترسيخ تبعية كاملة للاستعمار.
السفير معصوم مرزوق، المعارض البازغ نجمه على خلفية تنازل النظام المصري عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، بدأ حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره أحد نجومها الحاليين، لشيطنة العملية العسكرية الجارية لتطهير بؤرة الغوطة الشرقية من بواقي الإرهابيين، من جنسيات شتى، قدموا لهدف واحد، هو تدمير الدولة السورية وتمزيقها، بسلاح أمريكي، ودعم صهيوني وخليجي وتركي، فاضح غير خاف.
المعارض المصري أراد من النظام الوقوف بالكامل وراء وجهة النظر الأمريكية والصهيونية، هكذا بلا تفكير، والمزايدة على موقف المندوب المصري في مجلس حقوق الإنسان، الذي بالكاد امتنع عن التصويت، وهو ذر للرماد في العيون، بدلًا من وقفة جادة وراء شقيقة عربية تتعرض لحرب كونية، تاركًا الرفض لأربع دول، ترتبط بالحق العربي أكثر مما يرتبط به حكام العرب، ممن ارتضوا الذل والخضوع، ولو تفاوت الدرك.
الوعي بالمعركة الحقيقية، التي يخوضها الجيش المصري حاليًا في سيناء، تحت اسم "حق الشهيد"، كان لا بد من لفت الانتباه إلى أن العدو واحد، والسلاح الذي يقتل أبناء مصر وسوريا واحد، والداعم للعصابات في الغوطة وسيناء واحد، وإذا كان من الضرورات الوطنية شجب موقف النظام المصري، فلأنه لم يرفض مشروع القرار البريطاني، لأن المنطق أنه قرار يستهدف مصر وجيشها، بنفس القدر الذي يستهدف به سوريا ومعركتها.
يفتح هجوم السفير الحديث المنسي عمن يتم تنجيمه وتلميعه على مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت فارقة في انتفاضة مصرية، رفعت منذ أيامها الأولى شعارات ضد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بل بادرت بفعل الغليان والرفض الشعبي أولًا، والوعي بالعدو، إلى مهاجمة السفارة الصهيونية، في التاسع من سبتمبر، خلال جمعة تصحيح المسار، وإنزال العلم الصهيوني الذي ظل يدنس سماء مصر 30 عامًا، واللافت أن المظاهرة سجلت غياب جماعة الإخوان، والأحزاب الكرتونية الصغيرة، صنيعة أجهزة مبارك الأمنية، ثم أخذتها الثورة المضادة إلى حال أسوأ، تبتعد فيها عن أمتها العربية، وتنحشر أكثر في دور ثانوي، خلف حلف إقليمي، مع سلمان، يدمر مصالحها ويهدد أمنها القومي.
الثورة المصرية الموؤودة، والمسروقة، من قِبل جماعات وأحزاب وشخصيات، لم تسع إلى إلا تقديم أوراق الاعتماد للغرب والصهاينة، باعتبارهم بدائل جاهزة ومريحة أكثر من نظام مبارك المترهل، هو ما أوصل مصر لمرحلة تتذيل فيها حسابات القوة في الإقليم، فتبدو مجردة من عالمها العربي ضعيفة، مستسلمة ومنكفئة على ذاتها، ومحصورة في الوادي الضيق، ويظهر عالمها العربي بدونها بلا قاطرة قادرة على الجر والتقدم، بالضبط كما وصفها العبقري الدكتور جمال حمدان.
نخبة المعارضة المصرية، الظاهرة على شاشات قطر وتركيا، أو التي تيمم وجهها شطر قنوات الغرب في ألمانيا وبريطانيا، تقول بأنها ترفض الحلول الأمنية مع الإرهاب، بدعوى إنسانية محضة، هكذا يبررون لأنهم يمقتون نشر العداوة في المجتمعات العربية، لكنهم تناسوا أن الإنسانية مع أعداء الإنسانية ضياع، وخطابهم المتماهي مع منظمات الغرب يصيب المجتمع ذاته بالتيه والتعطل، ويسرع بنمو الطفيليات الضارة في بدنه، ومن ثم، يتحلل المجتمع تمامًا.
النخب الغربية لم تضبط، في يوم من الأيام، متلبسة بإدانة كاملة وواضحة للعمليات الإرهابية، التي تكوي جنبات الوطن العربي، والأهم أنها تستخدم حرب اليمن في سياق التنافس الإقليمي بين الرياض من جهة، والدوحة من جهة أخرى، بلا مبدأ ولا ضمير، سوى أن التوجيه الغربي يملي عليهم أن يكون اليمن للتنابز بين وكلاء محليين.
الغرب من جهته يضفي على رجاله بالجوائز والمنح والعطايا، طالما ظلوا في سباق من يخدم مصالحهم أكثر، ومصير العديد ممن ركبوا موجة الانتفاضة الشعبية المصرية، وتصدروا الشاشات، وطرحوا الرؤى، وعقدوا التحالفات، واضح في مآلاته، فهم إما في الدوحة أو أنقرة أو في الولايات المتحدة، ينعمون بمكافأة نهاية الخدمة، وتستمر الاستعانة بهم بين وقت وآخر، ربما تأتي لحظة تستلزم استخدامهم من جديد.
الجيش العربي السوري، لا يزال حتى اللحظة هو جيش مصر الأول، لم يفلح السادات ولا خلفاؤه في تغيير الحقيقة، رغم حملاتهم، ورغم القطيعة، بقي حبل المصير يربط بين الشعبين، والعزاء الوحيد الذي أقبله، كمصري، أن يكمل أبطال سوريا عقد انتصاراتهم في حربهم الكونية، وتعود سوريا كما كانت، منبت شرارة التقدم العربي.