ارشيف من :نقاط على الحروف
من سلسلة كي لا يضيع التاريخ: أصحاب الهوية الزرقاء.. عملاء الـ VIP
يرتبط تاريخ 14 آذار/ مارس 1978 بذاكرة الجنوبيين خصوصاً واللبنانيين عموماً بذكرى أليمة لم يكن لآثارها أن تمحى لولا بزوغ فجر 24 أيار/ مايو 2000، فالذاكرة الأولى المغمسة بسلسلة من المجازر في عدلون والعباسية وبنت جبيل والخيام والاوزاعي تطل كل عام عبر شريط من الأحداث التي افتتحت بغزو صهيوني أسمي بعملية " الليطاني أو أورانيم" مدعوم بتفعيل كامل لكيان عميل للاحتلال اصطلح اللبنانيون على تسميته بدويلة سعد حداد العميل سلخ العدو بموجبه عشر مساحة لبنان يمتد من الناقورة غرباً حتى تخوم جبل الشيخ شرقاً ويضم عشرات القرى والبلدات التي هجرت بشكل شبه كامل حيث تراوحت نسبة التهجير بين 60% و100% وبلغ عدد الذين هجروا أكثر من 200 ألف ذاقوا مرارات التهجير القسري والسلخ عن أعمالهم وحقولهم ومزارعهم وبيوتهم لأكثر من 22 عاماً . ومن بقي منهم عاش حالة من الارهاب والاذلال بفعل سياسات العدو الذي كان يستخدم عملائه لإخضاع السكان وتطويعهم أو ترويعهم وزجهم بالمعتقلات في لبنان أو فلسطين المحتلة ولم يتخلص اللبنانيون من هذا الكابوس إلا في أيار/ مايو 2000 حيث أثمرت مئات العمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة بكافة أطيافها بانهيار جيش العدو وجيش عملائه وفرارهما معاً إلى داخل فلسطين المحتلة.
في الخامس والعشرين من أيار/مايو عام 2000 أمكن للبنانيين معاينة المفارقة التي ولدها تحكم 8 آلاف متعاون مع الاحتلال بجيب تبلغ مساحته 1100 كيلومتر مربع يبلغ عدد سكانه المقيمين والمهجرين قسراً والذين عادوا بعد اندحار الاحتلال وعملائه أكثر من 350 ألفاً والنتيجة القاسية التي استخلصها المراقبون أن 2.14% من الذين خرجوا مع الاحتلال أو استسلموا للسلطات اللبنانية كانوا سبب معاناة وتهجير 97.86% من الأهالي الذي هجروا أو بقوا تحت نير الاحتلال إلا أن هذا الإحصاء لم تقاربه جماعات الضغط التي تجندت للدفاع عن الجلاد واتهام الضحية بأنها وراء إفراغ القرى في حملات اعلامية أقل ما يقال فيها أنها تستخدم أسلوب التضليل والمبالغة في مقاربة الموضوع وتستخدم كل أسلحة الإثارة الطائفية لإبقائه سيفاً مسلطاً على طهارة الانتصار والتحرير الذي بزغ فجر 25 أيار/ مايو 2000.
الهروب الكبير لـ"السيد" الإسرائيلي وخادمه
ما أظهرته الساعات الأولى من الانتصار من عدم وقوع ردّات فعل واعتداءات ممن ذاق طعم الويلات من العملاء على مدى سنوات، والترفّع عن الثأر والانتقام، كان إنجازاً غير مسبوق في التاريخ المعاصر شهد به العدو قبل الصديق.
وما شهدته المناطق المحررة من هروب للعملاء المنضوين في صفوف ميليشيا أنطوان لحد، كان نتيجة لصدمتهم بحصول الانسحاب بصورة غير متوقّعة ودون معرفة مسبقة أو علم وخبر من مشغّليهم الإسرائيليين، فسارعوا بشكل هستيري، إلى "بوّابة النهاية" لإنقاذ أنفسهم من الملاحقة القضائية والسجن، وكلّ واحد منهم بحسب أفعاله وجرائمه، وهي متفاوتة بطبيعة الحال.
كان هذا الأمر نتيجة طبيعية للمجريات الميدانية التي أفرزتها عمليات المقاومة الإسلامية، فقد استشرى التفكك في صفوف الميليشيات اللحدية، وتعمقت الهوة بينها وبين الاحتلال من جراء انعدام الثقة والخوف على المصير، والتنكر للوعود التي أطلقها قادة العدو بتأمين مستقبل أفضل للعملاء، فضلاً عن التطمينات بالحصول على تعويضات مالية وعائلية لهم في حال حصول الانسحاب.
ونقلت صحيفة عن وزير العدل الصهيوني يوسي بيلين قوله "إنه مع الانسحاب من لبنان لن تساعد "إسرائيل" ميليشيا لحد على البقاء كميليشيا عسكرية تحت الرعاية الإسرائيلية في الجنوب اللبناني". وقال: "من هذه الناحية، فإن القصة بين "إسرائيل" والجيش الجنوبي انتهت تماماً.. ينبغي أن نتذكر أننا موجودون في لبنان من أجل حماية مستوطناتنا الشمالية وليس من أجل حماية قرى لبنان الجنوبي..".
ولعل مجرد الحديث عن الانسحاب كان له الأثر البالغ في سقوط كل الشعارات التي دأبت قيادات وحكومات الاحتلال على إطلاقها، فضلاً عن الشعور بالإحباط نتيجة ما لمسه العملاء أنفسهم من عجز للاحتلال عن حماية جنوده. وفي هذا الإطار نشرت صحيفة هآرتس في عددها الصادر بتاريخ 12/7/2000 حواراً طويلاً مع مسؤول اللواء الشرقي في ميليشيا العملاء المنحلة نبيه أبو رافع شدد فيها على أنه "حتى اللحظة الأخيرة لم تكن نية الإسرائيليين واضحة من وراء الانسحاب السريع، وبعد انهيار القيادة في القطاع الغربي شعرت بأن كل شيء انتهى وطالبت المسؤولين العسكريين بإعطائي بعض الوقت لأفكك كتيبتي بطريقة منتظمة لكن شيئاً من هذا لم يحصل".
العميد احتياط نوعم بن تسفي، آخر قادة اللواء الغربي للجيش الإسرائيلي في الجنوب، والذي أشرف على الاندحار يوم 24 أيار/مايو العام 2000 بعدما قاد هذا اللواء لأربع سنوات تقريباً، يستذكر مع صحيفة "هآرتس" الصهيونية تلك الأيام، حيث لا يشك أن ما جرى. "لم يكن خروجاً، ولم يكن انسحاباً. لقد كان هروباً بكل بساطة". ويميز بن تسفي بين تأييد الخروج وبين طريقة التنفيذ. وفي نظره فإن "التنفيذ كان فشلاً عملياتياً. والجيش الإسرائيلي لم يحقق بشكل عميق في الانسحاب، لأنه كان سيظهر أن كثيراً من كبار الضباط سمحوا للمسألة بالانهيار. لقد حققوا في عمليات اختطاف الجنود لكنهم لم يحققوا في الانسحاب". ولا يتأثر بن تسفي بما يشاع حول أن أي جندي لم يجرح في الانسحاب ويؤكد أن صورة الانسحاب فسرت في الشرق الأوسط على أنها "هروب. فقد أبقينا خلفنا معدات وآليات. وفي العديد من الحالات نهب جنودنا عتاداً.. وكانت مذلة كبرى في احتشاد رجال جيش لبنان الجنوبي على بوابة فاطمة. لقد كان هذا هروباً غير مخطط، كان هناك تنازل عن قيم تربينا عليها كجنود.