ارشيف من :آراء وتحليلات

الهيمنة الأميركية بعد الولاية الرابعة لبوتين وتحرير الغوطة

الهيمنة الأميركية بعد الولاية الرابعة لبوتين وتحرير الغوطة

 

بعد 28 سنة من سقوط الاتحاد السوفياتي، بتنا نستطيع أن نرى بين ليلة وضحاها التخبط الأميركي مقابل انتصار محور الممانعة، وفيما التهديدات الأميركية بضرب دمشق لا تنفذ، يأتي الرد صاعقاً بفوز القيصر فلاديمير بوتين بولاية رابعة للرئاسة في روسيا، فيما يتحدى الرئيس السوري بشار حافظ الأسد العالم بزيارة الغوطة الشرقية لتثبيت ملامح الانتصار على الحرب الكونية التي تشنها الإدارة الأميركية منذ سبع سنوات بالوكالة.

هكذا تتغير رقعة الشطرنج في النظام الدولي، وتخسر واشنطن في لعبة الدومينو التي تكسرت أحجارها على أعتاب سوريا. على هذه الحال تنسج السياسة الدولية، فتصعد موسكو وحلفاؤها فيما تتراجع واشنطن وأدواتها. في روسيا يدخل فلاديمير بوتين في ولاية رابعة، تؤكد مدى التفاف الشعب الروسي حوله، معيداً روسيا إلى عظمتها في النظام السياسي الدولي، بشكل سيجعل التاريخ الروسي يتحدث عن "الحقبة البوتينية"، التي تعتبر من أهم الحقبات الروسية، حيث استطاع "القيصر" إخراج روسيا من كارثة سقوط الاتحاد السوفياتي ليبدأ بكسر الهيمنة الأميركية للنظام الدولي، وكأن بطرس الأكبر الذي أصبحت روسيا أكبر دولة في العالم في عهده يحكم من جديد.


وفي مقابل التهديدات الأميركية بضرب دمشق على وقع تحرير الغوطة الشرقية، يتحدى الرئيس الأسد المنظومة الحربية الأميركية، ويزور الغوطة ليوجه ضربة معنوية قاصمة لواشنطن ووكلائها، ويؤكد أن سوريا لا تهدد ولا يقصم ظهرها، وهي التي استطاعت أن تهزم الإرهاب وتتغلب على الهجمة الدولية الشرسة التي شنتها الإدراة الأميركية ظنا منها أن نظرية الدومينو سوف تطبق في سوريا ايضاً فتسقط دمشق بعد بغداد ويستمر الأميركي في التوسع لبناء الشرق الأوسط الكبير، لكن محور المقاومة قال لواشنطن "اصبري هنيهة لقد انقلب السحر على الساحر"، وسقطت النظريات الأميركية خلال 7 سنوات أثمرت انتصارات للمحور، فتحولت سوريا إلى بوابة الهزيمة الأميركية وانقلب النظام الدولي من الأحادية الأميركية إلى التعددية التي يشكل محور المقاومة والممانعة فيها الحاضر الأكبر.

لقد سعت الولايات المتحدة الأميركية منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلى التربع على عرش النظام السياسي الدولي، وسيرت كل المقدرات لمصلحتها، سفكت الدماء ودمرت مناطق باكملها من أجل إعلاء فكرة القرن الأميركي لتصبح واشنطن هي الدولة القائدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. ودعا المنظرون الأميركيون إلى ضرورة التكامل في التوجه الأميركي لصوغ الايدولوجية القومية الأميركية التي من المفترض أن يبدأ عندها التاريخ الجديد للعالم.

استخدمت الإدارة الأميركية كل سياسات المؤامرة ضد الاتحاد السوفياتي والدول التي كانت في كنفه لإسقاطه، وبدأت بعد أن حصل لها ذلك في عهد ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسن العمل كدولة متفردة في نظام دولي تحول إلى الاحادية القطبية، منطلقة من استراتيجيات خطها منظّروها تقوم على تسويق رؤية القيادة والإدارة من قبل الولايات المتحدة الأميركية للعالم.

وبدأت إرهاصات السيطرة الأميركية بحرب أولى على العراق تحت مسمى عاصفة الصحراء، لتدخل أولى القوات إلى الخليج وتبني قواعد عسكرية لها هناك، ومن ثم عبر الدخول إلى أفغانستان بحجة الحرب على القاعدة بعد أحداث 11 ايلول/ سبتمبر، ومن ثم احتلال العراق في آذار/ مارس 2003، لكن ذلك ما كان ليكتمل دون وضع موطئ قدم في سوريا يكمل حلقات السيطرة الأميركية، لكن هنا تبدأ حلقة السقوط على الرغم من أن الحسابات الأميركية كانت مبنية وفق رؤى استراتيجية تعتبر متينة، إلا أنها لم تتوقع الاصطدام بقوة صلبة من هذا النوع.


وإن كان لا يمكن القول إن واشنطن لا تزال تؤثر في مفاصل هذا النظام، ولا يمكن أن يحصل شيء على الساحة السياسية الدولية بدونها، إلا أن الهيمنة الأميركية لم تعد ممكنة كما يخال البعض، حتى أن الباحثين الأميركيين يتحدثون عن هذا التراجع في الهيمنة وضرورة التحول من الأحادية إلى التعددية سيما أمام صعود القوة الروسية الجديدة مع فلاديمير بوتين، ومعها دول أخرى كالصين أو الهند أو دول إقليمية قوية لم يذكروها وهي كإيران مثلا التي أصبح لديها اليد الطولى في المنطقة حيث لا يمكن تخطيها.

وإن كانت الأسباب الدافعة لهذا التحول كثيرة، إلا أن خسارة الخيار الأميركي في سوريا جعلت واشنطن دولة غير قادرة على السيطرة منفردةً على منطقة الشرق الأوسط وبالتالي على العالم، سيما أمام صعود محور المقاومة الذي هزم المشروع الأميركي منذ عام 2006 حتى اليوم، فضلاً عن الصعود الروسي القوي مع فلاديمير بوتين الذي حول روسيا إلى منافس جديد للهيمنة الأميركية في العالم، عبر التصدي لها في ملفات عديدة وعلى رأسها الملف السوري الذي تظهر غلبة روسيا وسوريا والحلفاء فيه.

ومن هنا، يأتي فوز بوتين بالولاية الرابعة كضربة جديدة للسياسة الأميركية خاصة في عهد دونالد ترامب، ما سيجعل روسيا تثبت أكثر في سياساتها وإدارتها الاستراتيجية للعديد من الملفات الخارجية وعلى رأسها الملف السوري، ومن هنا ايضاً يأتي تجول الرئيس الأسد في دمشق والغوطة الشرقية كتحد للتهديدات الأميركية ولتوجيه رسائل إقليمية ودولية وخاصة للولايات المتحدة الأميركية بأنه ليس لها اليد الطولى في هذه الحرب، بل إن قوى المقاومة هي القوة الحاكمة في هذه المعركة.

2018-03-20