ارشيف من :أخبار عالمية
مشهد الرضا عليه السلام.. وحُلّة النيروز
هدى رحمة
اكتملت اللمسات الأخيرة من التحضيرات لعيد النوروز في إيران. هو العيد الرسمي الأساسي هناك، وكذلك بالنسبة لأفغانستان. كما وتحتفل به عدة بلدان دول أخرى مثل طاجكستان، أوزبكان، روسيا، وتوركمستان. ولا يزال الأكراد في كافة الدول المقيمين فيها متمسكين بهذا العيد.
* اليوم الأول من رأس السنة الشمسية الإيرانية.. وبداية الربيع
النوروز هو اليوم الأول من رأس السنة الشمسية الإيرانية، فكلمة النوروز في الفارسية حرفياً تعني يوم جديد. كما وهو بداية الربيع في 21 آذار/ مارس، وهو عرفاً عيد الطبيعة والأزهار. هو العيد القومي التاريخي الأول في إيران.
شعور جميل أن تكتب لتقليد شعب ما، لكن الأجمل أن تعيشه بين أهله. أينما تجولت في إيران تطالعك مظاهر العيد. الأضواء الملونة المعلقة على الطرقات، الأزهار على اختلاف بهائها في كل مكان. على جوانب الشوارع، في وسطها، على الأرصفة.
والجو الأجمل في مشهد، حيث مقام ثامن حجج آل بيت محمد الأطهار، الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام. تستقبل مشهد في عطلة العيد العدد الأكبر من المسافرين، محلياً ودولياً، أما قم فتمثل معبرًا للمسافرين داخلياً عبر البر لأنها تقع في الوسط. استقبلت مشهد العام الماضي 4 ملايين زائر، والتوقع لهذا العام أن يصل عدد الزائرين إلى 7 ملايين. الزحمة المزعجة في الأيام العادية، محببة في أجواء العيد، زحمة السير والناس المشغولون بتحضيرات العيد.
* تحضيرات لاستقبال العيد
على الصعيد الرسمي، فإن عطلة العيد تبلغ نحو 15 يوماً، أما في الدوائر الرسمية فهي 5 أيام تبدأ قبل يوم من النوروز. وبسبب العطلة الطويلة يقوم الإيرانيون بالسفر والذي يكون في الغالب سفرًا داخليًّا. في الفترة السابقة للعيد تجري التحضيرات على قدمٍ وساق. إصلاح الطرقات، إقامة الحدائق المصغرة في وسطها، نصب التماثيل الخاصة بهذا العيد على الطرقات، وهذه التماثيل تشير إلى أجواء العيد، اللون الأخضر والأزهار. "ميدان الشهداء" وهو الميدان المركزي في مشهد ويقع بالقرب من بلدية مشهد ويبعد عن حرم الإمام الرضا عليه السلام الذي يقابله بقرابة 500 متر، في أيام النوروز يكون "ميدان الشهداء" في أبهى حُلة، مزينًا بأعبق أنواع الزهور التي تأخذ أشكالاً هندسية جذابة. تُقام في كل إيران خلال عطلة العيد أسواق شعبية، تفرض الحكومة على أصحابها تخفيضات للزبائن بنسبة 20 %. هذه الأسواق تحوي منتجات يدوية، تحفًا، ملابس تقليدية، مزهريات، وغيرها،.. حتى برامج القنوات الإيرانية كلها خاصة بعيد النوروز، مسابقات، احتفالات، كاميرا خفية، أفلام ومسلسلات جديدة، وغيرها.
أما على صعيد العائلات الإيرانية، فإنها تقوم بتنظيف المنازل بشكلٍ دقيقٍ جدًّا، وحتى بتغيير الاثاث بحسب الاستطاعة، وشراء الملابس الجديدة لكافة أفراد الأسرة. تُحَضِّر العائلات الإيرانية بحسب العُرف سفرة عيد النوروز. وهي التقليد الأساسي للعيد، السفرة أو "هفت سين" أي 7 أشياء تبدأ بحرف السين، عبارة عن التفاح "سيب"، الثوم "سير"، الخل "سركه"، نوع من الحلوى "سمنو"، نقود معدنية "سكه"، أنواع من الخضار الخضراء "سبزى"، والسماق. ويضاف إلى هذه السفرة القرآن الكريم، الشمع، بعض الحلويات، والسمكة التي ترمز إلى الحياة والنشاط، والمرآة كي يكون عامهم مليئًا بالنور وبعيدًا عن الظلام. أينما توجهت في إيران ترى هذه السفرة، في المنازل، في المحال التجارية، وحتى في أروقة مقام الإمام علي الرضا عليه السلام.
يحضر الإيرانيون أول أيام العيد وقبل تبديل الساعة إلى الأماكن المقدسة وأهمها في مشهد حيث مقام الإمام علي الرضا عليه السلام، في قم حيث مقام السيدة المعصومة أخت الإمام، وفي شيراز حيث مقام شاه جراغ أخ الإمام. ولأن الإيرانيين يعتقدون أن الحالة التي يستقبلون بها العام الجديد سيبقون عليها طوال العام فإنهم يفضلون استقبالها بالعبادة والدعاء لاستقبال العام الجديد في المقامات المقدسة. وقسم من الشعب الإيراني يزور أضرحة أحبائه قبل تبديل الساعة، لكي يكونوا مع أعزائهم عند استقبال العام الجديد.
* النوروز والطبيعة
بعد النوروز تتزاور العوائل الإيرانية فيما بينها للتهنئة بالعيد، ويقدمون العيدية للأطفال. وفي اليوم الثالث عشر بعد النوروز وهو يوم الطبيعة، يخرج الإيرانيون إلى الطبيعة، وحتى في باقي الدول التي تحتفل بالنوروز فإنهم يحافظون على هذا التقليد ويخرجون إلى الطبيعة في هذا اليوم. وإضافةً إلى ذلك فإن الإيرانيين يخرجون معهم النبات الأخضر الذي كان على سفرة النوروز ويزرعونه في الطبيعة، والسمك يضعونه في الأحواض والبحيرات. كما يقومون بعقد الأعشاب وتمني ما يحبون.
* النوروز في مقام الإمام الرضا (ع)
أما بما يختص بالمعلم الأبرز والأقدس في إيران ومشهد، مقام الإمام علي الرضا عليه السلام، فإن النشاطات فيه تكون حافلة خلال عطلة النوروز. عدا عن زينة المقام بالإضاءات الملونة والأزهار. وجميع الأزهار المزين بها المقام بكافة صحونه وأروقته هي أزهار طبيعية من حديقة الحرم. حتى في الأيام العادية جميع الأزهار في المقام وفوق الضريح هي من الحديقة الخاصة بالحرم. خلال عطلة النوروز يصل عدد الخدام في المقام إلى 8000 خادم وخادمة لخدمة المقام والزوار. في أيام النوروز يزداد عدد وجبات الطعام الموزعة على الزوار من داخل مضيف الحرم، فداخل الحرم يوزع 1000 وجبة فطور، كما توزع 40 ألف وجبة فطور على مداخل مدينة مشهد للقادمين إليها، وكذلك توزع من داخل مضيف الحرم 10 آلاف وجبة غداء على الزوار. أما بالنسبة للنشاطات الثقافية فإنه يوزع في عطلة العيد أكثر من 40 منتجًا ثقافيًّا متنوعًا على الزوار من كتب وأقراص مدمجة وروزنامات وعلب متبركة ودفاتر ومسابقات غيرها. كما أن هناك منتجات ثقافية خاصة بالأطفال مثل علبة الزائر الصغير، دفاتر وأقلام تلوين ، روزنامات خاصة بالأطفال وغير ذلك. كما تزداد ساعات إستقبال المكتبة الرئيسية في الحرم والمتحف للزوار. في عطلة الخمسة عشر يوماً وصل عدد البرامج الثقافية لهذا العام إلى 15 ألف برنامج ثقافي، وكل صحن له برنامجه الخاص، حتى داخل أروقة الصحن الواحد تختلف البرامج الثقافية المتنوعة بحسب الفئات العمرية والمستوى الثقافي للزوار.
منذ 30 عاماً حتى اليوم يحضر السيد القائد علي الخامنئي في كل يوم نوروز إلى مقام الإمام علي الرضا عليه السلام ليلقي خطبة العيد، في صحن جامع الرضوي رواق الإمام الخميني (قدس)، حيث يكون الزوار المنتظرون خطبة العيد على مساحة مليون متر مربع، تغطي العتبة الرضوية هذا الحدث بأكثر من 500 كاميرا تابعة لها. كما تستقبل قاعة القدس في الحرم نحو 1000 زائر يحضرون من أكثر من 10 دول، فيستمعون إلى كلمة السيد القائد عبر الترجمة الفورية إلى العربية والإنكليزية والتركية وغيرها. وضمن خطبة العيد ومع التبريك بقدوم العام الجديد يشير السيد القائد إلى المشاريع الاقتصادية التي سيجري العمل عليها خلال العام، فيطلق اسم العام باسم هدف اقتصادي أو تنموي. بالإضافة إلى الحديث عن السياسات الخارجية وموقف إيران منها، والتركيز على الأمور الداخلية..