ارشيف من :آراء وتحليلات

الراقصون على جثة الوطن

الراقصون على جثة الوطن

تجتهد أنظمة الحكم، خصوصًا تلك الفاشية، غير المستندة لقواعد وجود شعبية حقيقية، في توسيع وتمتين الجماعات المستفيدة من وراء وجودها على كرسي السلطة، تدافع عن مصالحها، وتراعي انعكاس القرارات على مكاسب أفرادها، كما نراه جليًا في حال النظام المصري الحاكم، إزاء منافقيه المتملقين في ربوع المحروسة.
نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يخوض غمار منافسة انتخابية مثيرة للشفقة والسخرية في آن واحد، مصمم على الاستمرار في الحكم فوق جثة الوطن. والحاكم الذي لم يضبط يومًا كصاحب موقف أو إمارات زعامة، قبل أن يدفع به القدر دفعًا لمقعد قيادة، كان خاويًا يبحث عمن يشغله في ظرف بالغ التعقيد، ورط مؤسسات الدولة في فخ التفريط في أراض دفع فيها من الدم أنهار، وتراجعت مصر على المستويات كافة إلى درك لم تبلغه من قبل.
العزوف الشعبي عن العملية الانتخابية الأهم كان رسالة تجاهلتها أبواق السلطة، وإن استمرت بفعل إحساس غريزي بالخطر في استجداء المشاركة، عبر اجتذاب المؤسسات الدينية، إسلامية ومسيحية، في الدعوة للمشاركة، علّ توافد المصريين على لجان انتخاب المرشح الواحد تنجح في تبييض وجه النظام، بالإضافة إلى مجهود إعلامي لافت، لتضخيم المشاركة في العملية الانتخابية، التي بدأت بالنسبة للمصريين في الخارج، ونقلت بعض القنوات بالفعل رقص المصريات أمام صناديق الاقتراع في السفارات، وفي طوابير الانتظار.
في مقابل اللافتات التي أغرقت شوارع وميادين مصر، تعلن مبايعة الرئيس وتأييده، تنطلق سهام السخرية من مواقع التواصل الاجتماعي، ضد التصرفات البلهاء لسدنة النظام الحاكم، كون تلك المواقع لا تزال بعيدة عن البطش والتنكيل، وتسمح بقدر ما من المعارضة القوية، رغم اللجان الإلكترونية التابعة لرجال الحكم والسلطة.
كل نفاق وراءه فساد قائم أو محتمل. لا يوجد من بين أبناء البرجوازية المصرية من يمنح أمواله ودعمه إلا لحاكم يعلم، ويؤمن، أنه سيوفر مناخًا يُمكنه من مضاعفة ثرواته، أو على أقل تقدير يحفظ له أمان الإيرادات، التي لا يمكن أن تتحقق في ظروف عادية.
الطبيعة الاحتكارية للسوق المصرية لها اليد الطولى في خلق أصحاب مصالح صغرى، وتقف خلف اتساع طبقة البرجوازية المؤيدة للنظام، حيث يضمن استمرار الوضع الحالي المزيد من الأرباح بلا ضابط أو رابط، سواء بتحديد هوامش ربح معقولة، أو تدخل الدولة في ضبط الأسواق.
 

الراقصون على جثة الوطن
 اللافتات المعلقة في شوارع مصر تختصر الحكاية

تختصر حكاية اللافتات المعلقة في شوارع مصر، بتأييد السيسي، رغم المزاج الشعبي الذي ينتظر شرارة أو شخصية، يجد فيها البديل الوطني، والقبول المعزز بالثقة، جزءاً من أزمة مصر، وهي عملية التجريف الواسعة التي شهدتها الساحة السياسية المصرية، طوال فترة حكم الرئيس المخلوع مبارك، ولم تترك إلا أحزابًا مدجنة، وجد فيها السيسي من هو على استعداد لممارسة دور تجميل انتخابات مشوهة، بلا عائذ من ضمير.
النفاق في حالة المرشح الصورة، رئيس حزب الغد يُذكر على الفور بظروف نشأة الحزب، على يد المعارض الحالي من تركيا، أيمن نور، منافس مبارك في انتخابات 2005، والذي وجد نفسه سجينًا بعد نهاية الانتخابات بفوز مبارك، في رسالة أن المعارضة لها سقف، والطموح في مصر له حدود، وأي اقتراب من الكرسي له ثمن.

سُجن "نور"، رغم الضغط الأوروبي والأمريكي، وصعّد جهاز أمن الدولة، المشرف الحقيقي على الأحزاب وقتذاك، موسى مصطفى موسى إلى رئاسة الحزب، ليبدأ الرجل مشوار تدجين الحزب وجريدته "الغد"، التي كانت الأعلى صوتًا في مواجهة مبارك، إبان العام الأول لصدورها.
وجاء الدور على السيسي ليستفيد من بنية مبارك، التي يعد هو نفسه أحد نتائجها، ويستعين بموسى كمرشح منافس، بعد سجن الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش الأسبق، وإسكات الفريق أحمد شفيق، قائد القوات الجوية ورئيس الوزراء الأسبق، وانسحاب خالد علي المحامي الحقوقي، وهم يمثلون بالفعل تحديات لم يأمن السيسي أن تسعفه شعبيته المتراجعة في الوقوف أمام أي منهم.
النفاق الذي يلف المشهد السياسي المصري، رغم أنه نتيجة الحكم الديكتاتوري المطلق، غير المعني بالشعب ولا بمصالح الوطن، يؤشر على خوف من حركة الشارع، رغم الجمود الحالي، ونجاح النظام في إشغال الناس بلقمة العيش.
الثورة المصرية في 2011 شهدت بعدها الظروف الأمنية تدهورًا حادًا، ثم أعقب الخروج على الرئيس المعزول مرسي تدهورًا أكبر في النواحي الاقتصادية، وهو ما ربط في وعي الناس التراجع المعيشي بالخروج بلا بديل، وهو ذات ما تراهن حلقة الحكم الضيقة عليه، أي بتدمير أي بديل صالح، حال عدم نجاحهم في قطع الطريق على وجوده بالأساس.

 

2018-03-21