ارشيف من :آراء وتحليلات

جولة ابن سلمان الأمريكية.. أجندة سياسية يائسة بعناوين اقتصادية

جولة ابن سلمان الأمريكية.. أجندة سياسية يائسة بعناوين اقتصادية

الجولة الأمريكية التي بدأها "حاكم السعودية" محمد بن سلمان من واشنطن، والتي قادته الى بريطانيا وفيما بعد إلى فرنسا، ويحمل معه العديد من الملفات الاقتصادية والسياسية ومشاريع الاستثمار التي تحدث عنها ترامب مراراً في مجالات الطاقة والبناء والتنمية والسياحة والترفيه. وتعتبر هذه الجولة "ردّة قدم" على الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة في أيار 2017، وبدأها من الرياض حيث حاضر في المؤتمر الشهير الذي أسس للحقبة الراهنة من التطوّرات، والتي تنتظر ترتيبات أخرى مطلوبة من دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، في إطار رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة.

ثلاثة ملفات أساسية في جعبة ابن سلمان
مهّد ابن سلمان لزيارته بجملة مواقف تعكس الهواجس التي تتحكّم بمساره العام، وشكّلت ما يشبه بطاقة حسن سلوك قدّمها أمام الإدارة الأمريكية سعياً لاستدراج قرارات تتيح له إنجاح أهداف جولته، وهي جولة يراها مفصلية وتشكّل له خارطة طريق وبرنامج عمل يمتد إلى عشر سنوات كحد أدنى من بداية توليه الحكم رسمياً خلفاً لوالده المتهالك، ولعلّ هذه الأهداف تتركز على 3 ملفات أساسية، أولها: صورة السعودية وهويتها الجديدة التي يجهد ابن سلمان لإعادة تشكيلها بهدف قبولها في النادي الغربي، ثانيها: دور السعودية الاستثماري في المنظومة الاقتصادية والتجارية والمالية في المنطقة بعيداً عن معادلات النفط، ثالثها: موقع السعودية في المخطط الغربي حيال معالجة عقبة إيران وحزب الله كمقدّمة لتصفية القضية الفلسطينية وصولاً إلى إرساء معادلة العلاقات العربية - الإسرائيلية.

إقرار سعودي بالتبعية لواشنطن
وتلفت المصادر إلى ما ركّز عليه ابن سلمان في مقابلاته الأخيرة حول نقل السعودية إلى مصاف الدول المتحضّرة تحت عنوان الانفتاح وحقوق المرأة والاستثمار في الطاقة والتكنولوجيا، وتعمّده التكرار مراراً للحديث عن مرحلة العام 1979 حين استولى أكثر من 200 مسلّح بقيادة جهيمان العتيبي على الحرم المكي، ما دفع الحكم آنذاك باتجاه التشدّد والانغلاق، وتسبّب بدخول السعودية في نفق التخلّف والجهل والارتداد الداخلي باتجاه التقوقع الديني، مع العلم بأن الدلائل آنذاك كانت تشير إلى أن ما جرى كان بدعم ودفع من عائلة بن لادن التي كانت تصف الحكم السعودي آنذاك بالكفر والضلالة، فضلاً عن احتمال تورّط أمريكي في هذه الحادثة لتأديب الملك خالد بن عبد العزيز، وإجباره للعودة إلى الحظيرة الأمريكية بعد إعلانه سلسلة مواقف لم ترضِ واشنطن، وفي حديث ابن سلمان إشارة واضحة إلى أن لا عودة إلى ذلك الزمن، ولن تكون السعودية إلا في المسار الأمريكي.

قطر باقية في الاستهداف السعودي

وتدعو المصادر نفسها للوقوف عند تركيز ابن سلمان على التخلص من التهديدات الناجمة عن استمرار وجود "حركات التطرّف" وعلى رأسها "الإخوان المسلمين"، وهو يقصد بذلك دولة قطر التي لا تزال تخضع للحصار الخليجي، ويبدو من خلال تجديد هذه المواقف أن حاكم السعودية لا يزال يضع هدف السيطرة على المرافق الحيوية القطرية نصب عينيه، كمورد مالي إضافي يؤمنه إلى جانب المليارات المئة التي حصّلها من نزلاء سجن الريتز كارلتون، ويبقى له أن يجهد لطمأنة المستثمرين في أمريكا وأوروبا إلى الاستقرار، بغية دفعهم إلى ضخ أموالهم في المشاريع التي أعلن عنها وفي مقدمتها مشروع "نيوم"، وهو يثق بأن واشنطن ستمهّد له هذا الأمر ربطاً بنتائج هذا المسعى على المستوى السياسي.

إيران وورسيا عقدة السعودية

أما الملف الأكثر حساسية الذي يقلق ابن سلمان فهو الملف الإيراني وما يتعلق به من حركات مقاومة في المنطقة وفي مقدمتهم حزب الله، ويحاول حاكم السعودية في هذا الإطار أن يدخل في لعبة أكبر منه، لا سيما بعد تموضع الدول الكبرى في جهتين، الأولى: روسيا والصين ومعهما إيران، والثانية أمريكا ومعها دول الخليج، وسيحاول ابن سلمان اللعب على الوتر الذي يتأرجح عليه ترامب المتعلق بإلغاء الاتفاق النووي الذي عقدته الدول الكبرى مع إيران، والدفع باتجاه عزل روسيا عن ملفات المنطقة عقاباً لها على تدخلها المباشر في الحرب السورية، ومساهمتها في قلب الموازين باتجاه استقرار الحكم في سوريا، ما شكّل ضربة للمسعى السعودي - الخليجي الذي كلّف الرياض ولا يزال أكلافاً هائلة انعكست عجزاً مستمراً في موزانتها المالية السنوية.

قمح ابن سلمان لا ينطبق على البيدر الأمريكي

ويبدو أن ابن سلمان يستعجل حسم هذه الملفات من الراعي الأمريكي، فهو يطمح أن يبدأ عهده الملكي بدون معوّقات داخلية أو خارجية، فالخطوات التي قام بها خلال ثلاث سنوات مضت لا تكفي في تأمين الاستقرار للسعودية خصصاً مع استمرار النزف على جبهة اليمن فضلاً عن عدم القدرة على الإمساك بالملف الفلسطيني حتى اليوم، وبالتالي فهو يأمل من خلال جولته هذه أن تقوم الإدارة الأمريكية بتحديد أجندة مستقبلية وفق برنامج زمني محدّد، وهو ما ليس بمقدور ترامب أن يتبنّاه نظراً للصعوبات التي تواجه تطبيق هذه الأجندة في واحدة من أكثر المناطق تعقيداً على سطح الكرة الأرضية، وعليه يرجح المراقبون أن يعود ابن سلمان بتطلعات أمريكية تتصل بالجانب الاستثماري أما الجوانب المتعلقة بمستقبل المنطقة الجيوسياسي فإن حسمها ليس بالسهولة التي يظنها الشاب الطموح وهي تفوق قدرته على التحمّل والاستيعاب.
 

2018-03-21