ارشيف من :آراء وتحليلات
واشنطن والرياض وابو ظبي.. اجندة واحدة بأدوات متنوعة
في وقت واحد، وبنبرة واحدة، وبمفردات وعناوين متعددة، انطلقت حملة سياسية واعلامية من واشنطن والرياض وابو ظبي، ضد الحشد الشعبي في العراق.
وحينما نقول في وقت واحد، لانعني في نفس اليوم والساعة، ولكن نعني في ظل اجواء الاستهداف والتصعيد والتسقيط لجبهة المقاومة، الذي يمكن للمتابع والمراقب، ان يكتشف انه اخذ مديات اوسع ومستويات اعلى بعد تحقيق الانتصار النهائي والشامل على عصابات داعش الارهابية في العراق، وفشل المخطط الدولي- الاقليمي لاعادة رسم الخريطة السياسية في سوريا وفق المصالح والحسابات الاميركية والاسرائيلية في المنطقة، وعمق المأزق السعودي في اليمن، بعد ستة اعوام من الصراع الدموي الذي انفقت عليه السعودية والامارات اموالا طائلة وتكبدت خسائر فادحة، دون ان تحقق ولو جزءا يسيرا مما كانت تأمله وتتمناه.
وحينما نقول، ان تلك الحملة السياسية الاعلامية ضد الحشد الشعبي، حملت نبرة واحدة، فأن ما نقصده، هو انها تريد تسويق ادعاء ساذجا مفاده "ان الحشد الشعبي صناعة ايرانية، وانه ينفذ اجندات طهران في العراق"، بينما يعرف القاصي والداني، ان الحشد الشعبي تشكل على ضوء فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني، لدرء خطر تنظيم داعش الارهابي، بعدما استباح عددا من المدن العراقية في صيف عام 2014، وبات يهدد المدن الاخرى، لاسيما العاصمة بغداد، والنجف الاشرف وكربلاء المقدسة، حيث المراقد الدينية المقدسة. دون ان ننكر ونتجاهل الدعم والاسناد الايراني الكبير للحشد الشعبي ولعموم القوات المسلحة العراقية، وبالتنسيق مع الحكومة العراقية، ذلك الدعم والاسناد، الذي كان له الاثر الكبير في هزيمة داعش.
من صنع تنظيم داعش ومكّنه، وقبل ذلك تنظيم القاعدة، وعناوين ومسميات ارهابية اخرى، ذاته اليوم يعمل على تشويه صورة الحشد الشعبي، ويحاول بشتى الصور والاساليب ان يقصيه ويبعده عن دائرة الفعل والحضور والتأثير.
لن نذهب بعيدا، وانما سنسوق امثلة قريبة وواقعية ولايمكن انكارها والتنصل عنها.
وبالنسبة لواشنطن، تكفي التصريحات الاخيرة للسفير الاميركي في العراق دوغلاس سيليمان، مثالا ومصداقا على طبيعة وحقيقة التفكير الاميركي، اذ طالب بكل صراحة ووضوح في حوار تلفزيوني قبل ايام قلائل، الحكومة العراقية الى منع فصائل الحشد الشعبي وقوى الامن العراقية من المساهمة في الانتخابات البرلمانية وكذلك الانتخابات المحلية التي ستجرى خلال العام الجاري".
ولا نحتاج الى سرد كلام مشابه لكلام السفير سيليمان، جاء على السنة ساسة اميركان كبار خلال الشهور الاربعة الماضية التي اعقبت تحقيق الانتصار النهائي والشامل على تنظيم داعش الارهابي.
وكان من الطبيعي جدا ان تكون ردود الافعال العراقية على تصريحات السفير الاميركي حادة وغاضبة.
فهناك من اعتبر تلك التصريحات، بأنها محاولة امريكية لزعزعة أستقرار الاوضاع السياسية والانتخابية في العراق. اذ قال النائب في مجلس النواب العراقي عن التحالف الوطني العراقي، محمد الصيهود "إن تصريحات سيليمان دليل واضح على أن المشروع الصهيو-اميركي بدأ فعلياً بالتطبيق في العراق بعد اندحار عصابات داعش الإرهابية لتنفيذ خطة مايسمى بتغيير المعادلة السياسية".
في حين طالب المتحدث الرسمي بأسم حركة النجباء-احد فصائل الحشد الشعبي-بأتخاذ موقف حازم من تصريحات السفير، وطرده من العراق لتدخله في الشأن العراقي بشكل سياسي وطائفي، واصفا تصريحاته بالوقحة. حيث قال بالنص "ان تصريحات السفير الأميريكي، مستفزة وتمس سيادة البلد وتعد تدخلا واضح في الشأن العراقي الداخلي، وهي مرفوضة وغير مسموح بها على الإطلاق".
اما بالنسبة للرياض فأنها كانت سباقة لاطلاق الدعوات لحل الحشد الشعبي حتى قبل اعلان الانتصار على داعش، ويكفي دليلا على ذلك ما كان يتحدث به وبكل وقاحة وجرأة وبعيدا عن السياقات والاعراف الدبلوماسية، السفير السعودي السابق في العراق ثامر السبهان، حتى انه لم يعد ممكنا بالنسبة للحكومة العراقية، تحمل اساءاته وتجاوزاته المستمرة، لتقوم بالضغط على السلطات السعودية لاستبداله بشخص اخر اكثر هدوءا وتعقلا.
وتذكر مصادر مطلعة، انه حتى الوفد الاعلامي السعودي الذي زار العراق مطلع شهر اذار-مارس الجاري، في اطار الخطوات والمبادرات السعودية التي قيل انها تستهدف فتح صفحة جديدة مع العراق، تحدث مع بعض مضيفيه العراقيين همسا، قائلا "ان وجود قوى سياسية وعسكرية شيعية مرتبطة وتابعة لايران يمثل ابرز معوق امام بناء علاقات ايجابية ومفيدة لكل من العراق والسعودية"، بعبارة اخرى-وفق ما تشير اليه المصادر-ان الوفد الاعلامي السعودي اراد ان يقول لاصحاب الشأن والقرار السياسي العراقي، "اذا اردتم ان نبدأ معكم صفحة جديدة فعلا، فعليكم ان تتخلصوا من الحشد الشعبي والقوى الداعمة له".
ولا يختلف الامر مع ابو ظبي كثيرا، فهي لم تهاجم الحشد الشعبي مباشرة، بيد انها اتبعت اسلوبا ضربت من خلاله عصفورين بحجر واحد.
فوزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية انور قرقاش لم يهاجم الحشد مباشرة، بل هاجم دولة قطر، غريمة بلاده، متهما اياها بتقديم الاموال الطائلة للحشد، فقد كتب على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي(تويتر)، "الحكومة القطرية دفعت من سبعمائة مليون مليون دولار إلى مليار دولار إلى مجموعة معقدة من الجماعات الإرهابية تشمل حزب الله والحشد الشعبي وجبهة النصرة، ولا يمكن للدوحة أن تنفي ذلك على ضوء تراكم الأدلة والقرائن".
وإذا افترضنا ان قطر دعمت بالفعل هذه الاطراف، فأنها لم تفعل ذلك مؤخرا، وطبيعي ان الامارات تعرف ذلك، بيد انها صمتت، ولم تتحدث الا بعد ان ساءت وتدهورت علاقاتها مع الدوحة.
وقد جاء الرد العراقي سريعا وحازما، عبر وزارة الخارجية العراقية، التي وصفت اتهامات قرقاش بالفجّة، قائلة انه "في الوقت الذي يسعى فيه العراق لتعزيز علاقته بأشقائه في دولة الامارات العربية المتحدة، تأتي مثل هذه التصريحات عائقاً لمسار هذه المساعي، وتبعث على القلق من عرقلة تطوير هذه العلاقات والارتقاء بها لما فيه صالح البلدين والشعبيين الشقيقين، وان وزارة الخارجية العراقية،اذ تؤكد في أكثر من مناسبة أنّ مؤسسة الحشد جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الوطني ومؤسساته الرسمية كونها مصوت عليها في البرلمان العراقي وتتبع لقيادة القائد العام للقوات المسلحة، وقد أسهمت في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي الذي كان يهدد العراق والمنطقة ولَم تكن الشقيقة الامارات بعيدة عن هذا الخطر قبل ان يقدم الحشد والقوات الأمنية العراقية آلاف الشهداء لحماية المنطقة ويخلص العالم من شرور هذه الجماعة الإرهابية الضالة".
وما ينبغي التأكيد عليه والتنبيه له هو ان مثل تلك الحملات المنظمة والممنهجة ستزداد، وتتخذ اشكالا مختلفة، لاسيما مع قرب حلول موعد الانتخابات البرلمانية العامة، التي يمثل فيها الحشد الشعبي بعنوانه العام رقما صعبا وثقيلا ومؤثرا، ولاشك ان واشنطن والرياض وابو ظبي، تبحث عن ادوات داخلية، لتنفيذ جوانب ومراحل من اجندتها الموحدة الواحدة.