ارشيف من :آراء وتحليلات

ما بعد ’عفرين’!

ما بعد ’عفرين’!

سقطت مدينة عفرين في يد القوات التركية بعد عملية عسكرية واسعة انطلقت قبل شھرين، وتم اقتحام المدينة بعد انسحاب الوحدات الكردية. ويُعد ھذا تطورًا عسكريًّا بارزًا، ويعتبر واحدًا من المعارك ونقاط التحول في مجريات الحرب السورية.
وإذا كان الخطر الكردي مشتركا لحكومات تركيا وإيران والعراق وسوريا، التي تتناسى خلافاتها لمواجھة طموحات الأكراد الانفصالية، فإن السياسة الأميركية تظل ضبابية وخاضعة للتعديل وقابلة للتراجع رغم قوة الرهان الأميركي على الورقة الكردية في سوريا. فقد كان واضحا منذ البداية، أن معركة عفرين انطلقت بضوء أصفر روسي، وتواطؤ أميركي لحسابات واعتبارات كثيرة. فالولايات المتحدة قلقة من التقارب التركي الروسي المتزايد وتريد وقف عملية ارتماء أردوغان في حضن بوتين الذي ينتظر بفارغ الصبر اتساع الھوة وانفجار العلاقة بين واشنطن وأنقرة لتقويض الحلف الأطلسي. كما أن الولايات المتحدة أعادت ترتيب أولوياتھا في سوريا لتصبح مواجھة إيران على رأس تلك الأولويات.

وفي ھذا المضمار لا يقدم الأكراد كقوة عسكرية خدمات كبيرة وليس لھم دور أساس كما كان الحال في محاربة "داعش" فكانت النتيجة أن تخلى الأميركيون جزئيا عن الأكراد وتلقوا الصدمة والخيبة الثانية في عفرين بعد كركوك.
وعفرين تحظى بأھمية كبيرة لدى تركيا والأكراد، إذ تحتل أھمية استراتيجية في المشروع الكردي لأنھا تشكل الجسر الجغرافي لوصل ھذا المشروع بالبحر المتوسط. بينما تُعد بالنسبة الى تركيا خطا أحمر، لمنع إقامة كيان كردي على حدودھا الجنوبية مع سوريا، والسيطرة عليھا تحقق تواصلا جغرافيا على جميع المناطق الحدودية.
عملية "غصن الزيتون" التركية بدأت على عفرين، في 20 كانون الثاني الماضي مع إعلان واشنطن نيتھا الاستعانة بالأكراد لتشكيل قوة عسكرية مؤلفة من 30 ألف مقاتل، قوامھا الأساس عناصر "وحدات الحماية الكردية"، مھمتھا الانتشار والمراقبة على طول الحدود مع تركيا والعراق وعلى الضفة الشرقية لنھر الفرات، ما أثار حفيظة تركيا ووفر لھا ذريعة كانت تنتظرھا لوضع مشروعھا باجتياح مدينة عفرين موضع التنفيذ، كمقدمة للتمدد عسكريا نحو أرياف إدلب وحلب، وكردٍّ استباقيٍّ على ما قد يخلفه تطور التحالف بين أميركا وقوات سوريا الديمقراطية من أخطار، مع خشيتھا من أن تنتقل التجربة الكردية الى تركيا.
ويمكن القول إن تركيا ما كانت لتتجرأ وتقدم على ھذه المعركة من دون ضوء أخضر اميركي، والدليل وقوف الولايات المتحدة على الحياد بإعلانھا أن منطقة عفرين خارج مجالھا الحيوي، ومسارعة موسكو لسحب قوتھا الرمزية من مشارف المدينة.

ولكن، ماذا يعني سقوط عفرين؟

سياسياً: سقوط عفرين في سوريا مثل سقوط كركوك في العراق، يوجه ضربة قاصمة للمشروع الكردي الانفصالي الذي كان في العراق ووصل الى مرحلة متقدمة وتوقف عند عتبة الاستفتاء والاستقلال، وكان في سوريا أنجز مرحلة الانطلاق وبدأ ينمو ويتبلور في "كيان ذاتي" مفتوح على "أفق فدرالي".
أما ميدانياً، فسقوط عفرين يعني في "الجغرافيا العسكرية"، ضرب مشروع الكيان الكردي على الحدود السورية التركية وقطع أوصاله وتواصله الجغرافي، وهو بالتالي سيفتح ملف "منبج" من قبل تركيا التي ستصعّد ضغوطھا على واشنطن لتنفيذ تعھدھا بإخراج الوحدات الكردية من منبج الى شرق الفرات طمأنة لھا بزوال خطر احتمال قيام كيان كردي على حدودھا الجنوبية.
ويبقى أخيرا، التعديل الذي سيطرأ على الأجندة العسكرية الكردية بعد ھذا الحدث المفصلي، حيث سيكون على الأكراد أن يغيّروا في نمط المواجھة مع الأتراك بالانتقال الى حرب "عصابات وعمليات مقاومة ضد الاحتلال التركي"، كما سيجد الأكراد أنفسهم مضطرين الى تنفيذ إعادة انتشار جغرافي عسكري بعد خسارة عفرين، واتباع سياسة "الحد من الخسائر".
 لكن، الطموح العسكري التركي لم يقف عند عفرين، فماذا بعدها؟
التصريحات التركية تكشف أن أنقرة ستوسع عمليتھا باتجاه منبج التي تحولت إلى نقطة تجاذب محلية وإقليمية تحيط بھا التعقيدات، وتعد محمية من الولايات المتحدة الأميركية التي تثبت قواعد عسكرية في محيطھا.
منبج الآن أمام أحد حلين: إما وقوف الأتراك على أبوابھا، وإما توصل الروس إلى تسوية مع الأميركيين يفضي إلى إدخال قوات النظام السوري. وفي حال طبّق الاقتراح، فإن تركيا تكون قد ضمنت عمقا استراتيجيا إلى الداخل السوري لا يوجد فيه الأكراد الذين تعتبرھم تھديدا لأمنھا القومي.
في النهاية، يعرف ذوو القرار الاستراتيجي في تركيا أن معركة عفرين لن تكون الأخيرة لبلادھم في سوريا. كما ان الوجود الأميركي فاعل في شمال سوريا، وقرار ترامب البقاء في سوريا ھو قرار استراتيجي بالنسبة إليه. وبقي أن يستفيد الأكراد من التجارب والوقائع التي مروا بها على مدى سنوات، فمرة جديدة كما في العراق، والآن سوريا يكونون ضحية "لعبة الأمم" ويدفعون ثمن تشابك المصالح الإقليمية والدولية وتضاربھا، وأن تخوفھم من حدوث تفاھمات وصفقات على حسابھم في محله.. فهل يتعظون؟

2018-03-27