ارشيف من :نقاط على الحروف

عن السنيورة ومغارة الهدر والفساد

عن السنيورة ومغارة الهدر والفساد

كُثر استوقفهم الكلام الذي نُقل عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل أيام بأنّ البلد مفلس. كلام خطير ربما لصدوره عن رأس الدولة، لكنّ المتتبّع لمختلف المؤشرات الإقتصادية منذ أكثر من عقدين لا يتكبّد عناء ليكتشف هذا الواقع الذي ساهمت في تكريسه العديد من الموجبات. بطبيعة الحال، تتعدّد الأسباب وتتشعّب، والنتيجة واحدة. سبب رئيسي يكاد يكون "مشكلة المشكلات"، يتمثّل بنمط العقلية السائدة للحكومات التي تعاقبت منذ عام 1992 حتى اليوم. عقلية "ريعية" قيّدت الإقتصاد اللبناني، وهشّمت بنيته. نسبة النمو بالكاد تصل الى 2 بالمئة. العجز التراكمي ضيف ثقيل ومقيم دائم في خزينة الدولة، أضف اليه إنفاق مليارات الدولارات على مدى سنوات، وبلا وجه حق، ما أوجد ديناً عاماً يكاد يكون خيالياً في بلد كلبنان، دفع ثمن خدمته -ولا زال- المواطن اللبناني، عبر ضرائب تستهدف الفقراء. تلك الطبقة التي بالكاد تحصل على أبسط حقوقها، -إذا ما اكتمل معها الحظ-. بموازاة غنى فاحش تتنعّم به الطبقة السياسية الحاكمة. ولا يخفى على أحد أن جُل هذا الغنى جُمع من فساد ينخر الجسم الإقتصادي لسنوات مضت. وقد ساهمت سياسة "تقسيم الكعكة" بين الزعماء، وغياب سياسة المساءلة والمحاسبة في تدهور الواقع الإقتصادي، الذي تجاوزت نسبة الدين فيه عتبة الثمانين مليار دولار، وهو رقم خيالي إذا ما جرت مقارنته بمديونية لبنان التي بلغت  1،75 مليار دولار، عقب حقبة الحرب الأهلية.

لدى الحديث عن الدين العام، يتبادر تلقائياً الى ذهن المواطن اللبناني شخصية لطالما راكمت على قلب لبنان ديوناً بمليارات الدولارات. ولطالما عُرفت باجتهاداتها في المجال الإقتصادي، نقصد فؤاد السنيورة. الرجل الذي تولى مهام وزارة المالية منذ عام 1992 حتى 1998، ومنذ عام 2000 حتى 2004، ومهام وزارة الإقتصاد أواخر عام 2004، كما ترأس حكومة لبنان عامي 2005 و2008. وهو الذي عُرف بعقلية تجاوزت القواعد الإقتصادية العامة لأية دولة انطلاقاً من قناعاته، "بأنّ حجم الدين ليس مهماً ما دامت الدولة قادرة على دفع فوائده". كما عُرف بكثرة التنظير الإقتصادي والذي لم تكن له أية نتيجة تطبيقية سوى إغراق لبنان ببحر من المديونية. ذلك في الوقت الذي يُطلب منه كوزير للمالية "اقتراح السياسة المالية العامة والخطط المالية الداعمة للاستقرار والنمو الاقتصادي ولاستدامة موارد الحكومة"، وهو البند الأول الذي يُطالعنا لدى البحث عن اختصاصات وزارة المالية، والذي لو طبّقه السنيورة لما وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم. ويكفي أن ننظر سريعاً الى مقومات الاقتصاد خلال فترة إدارته السياسة المالية، ليتبيّن حجم الإهتزاز الاقتصادي الذي وصلت خلاله مديونية لبنان منذ 1992 حتى 2009 الى حوالى 58 مليار دولار، بموازاة إنفاق تخطى المئة مليار دولار، 37% منه دُفع على شكل خدمة دين.

لم يُفكّر السنيورة -صاحب الإجتهادات المتعدّدة في علم الإقتصاد- بالعمل على وضع خطة اقتصادية تنهض بالبلد، تُعالج أسباب هذا الدين المتراكم، تحد منه، وتحصر وُجهة الإنفاق لمصلحة مشاريع استثمارية مجدية، بل على العكس من ذلك. تجاوزات بالجملة ارتكبها -الرجل المؤتمن على مالية الدولة-. 11 مليار دولار ضاعت في دهاليز حسابات السنيورة، ولم تُعرف وجهة إنفاقها حتى اليوم. ناهيك عن الغش والخداع الذي لحق بـ"حسابات المهمة" لعدة سنوات، والتي لم يقم بإعدادها بذريعة ضياع المستندات واحتراقها، وهو الأمر الذي دحضه ديوان المحاسبة أكثر من مرة، جازماً أنّ هناك تقريراً يؤكّد وجودها. الأمر لم يتوقّف عند هذا الحد، حتى "حسابات المهمة" التي قدّم مستنداتها السنيورة في أعوام 1993 حتى 1996، و1998، 1999، 2000 أتت غير مكتملة باعتراف الديوان نفسه، ما أدى إلى تجاوز الأصول الحسابية وعرقلة مهمة ديوان المحاسبة في الرقابة.

ما سبق ليس إلا غيض من فيض، فمغارة الدولة المالية التي فتحها السنيورة على حسابه، سهّلت له مهمة التهرب من مسؤولية إعداد قطع حسابات العديد من السنوات، خوفاً من فضائح مالية تطال عهده، على حد قول البعض، الأمر الذي عطّل إنجاز الموازنة على مدى 12 عاماً، ما ألقى بتبعات خطيرة على مسار الدورة الإقتصادية بأكملها، هذا ناهيك عن الضبابية التي سادت قطع حساب العديد من السنوات والتي حملت أكثر من صيغة في سابقة تجسّد مخالفة واضحة لأحكام قوانين وأنظمة المالية العامة للدولة، هذا عدا عن حسابات خارج الموازنة وتجاوزات طالت المهل القانونية، فضلاً عن الأخطاء الحسابية التي لا تحصى في عمليات الجمع والتي لم يتمكن  ديوان المحاسبة من تفسيرها، واللائحة تطول في رحاب ما أسماها البعض بجرائم السنيورة المالية التي خنقت الإقتصاد اللبناني، إذ لا يتسّع المجال لذكرها، بل تحتاج لسلسلة من المقالات، وهو ما يُفسّر -وفق متابعين- ثروة السنيورة التي بحسب مراجع مصرفية لبنانية تتجاوز المليار دولار، بعد دخوله الى السلطة في بداية التسعينيات ببضعة ملايين من الدولارات.
 
إذاً، "وقعت الواقعة" ونجح السنيورة وحاشيته في إغراق لبنان بأتون الإستدانة بغير وجه حق. كل المؤشرات تدل على ذلك. فمتى تُفتح أبواب المساءلة والمحاسبة؟. يقول مواطن مسؤول.

2018-03-30