ارشيف من :آراء وتحليلات

مسار العدالة الإنتقالية في تونس إلى أين؟

مسار العدالة الإنتقالية في تونس إلى أين؟

بالإضافة إلى الأزمة المستجدة بين الحكومة التونسية والإتحاد العام التونسي للشغل بشأن خصخصة المؤسسات العمومية، تعيش تونس على وقع أزمة أخرى تسببت فيها هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بملف العدالة الإنتقالية والنظر في ملفات الإنتهاكات التي حصلت خلال العهود السابقة. فقد صوّت البرلمان قبل أيام معدودات على وضع حد لعمل الهيئة وعدم التجديد لها، ولكن الإشكال أن النصاب القانوني لم يكن متوافرا ووجب أن يصوت لإنهاء عمل الهيئة أكثر من العدد الذي صوت لمصلحة الإنهاء وهو ما خلق مشكلة في ظل غياب عدد كبير من النواب وانسحاب نواب حركة النهضة من جلسة التصويت من دون ان يدلوا بأصواتهم.
ولعل من المآخذ على عمل هذه الهيئة هو كثرة نفقاتها من دون أن تنظر في عدد كبير من الملفات، هذا بالإضافة إلى عدم حياديتها حيث تتهم بإبراز جانب من الحقيقة يظهر طرفا على أنه ظلم خلال العهود السابقة من دون أن تظهر وجهة النظر المقابلة. كما أنها لا تضم مؤرخين أكفاء للنظر في الوثائق التاريخية المتوافرة والأرشيفات إضافة إلى شعور عدد كبير من التونسيين بأن المسار برمته موجه نحو تشويه صورة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وليس لتعويض الضحايا وجبر الضرر والمصالحة وإصلاح المؤسسات باعتبار أن القانون المؤسس للعدالة الإنتقالية الذي صيغ زمن حكم المرزوقي وحركة النهضة لم يعتمد تاريخ الإستقلال أو تاريخ تسلم بن علي الحكم كانطلاق للمحاسبة على الإنتهاكات، بل اعتمد تاريخ عودة بورقيبة إلى تونس من المنفى قبل استقلال تونس في عملية شخصنة لا تخفى على عاقل.
عدالة حقيقية
وفي هذا الإطار يعتبر الناشط السياسي والحقوقي ماجد البرهومي في حديثه لـ"موقع العهد الإخباري" أنه "وبعد إنهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة من قبل البرلمان بات لا بد من إرساء مسار عدالة انتقالية حقيقي من ضمن مكوناته هيئة تشرف عليها شخصية وطنية نزيهة محل اجماع من كل التيارات السياسية والمنظمات الوطنية. مسار يكون تاريخ انطلاق المحاسبة فيه مرتبطا بحدث وطني (استقلال مثلا) لا بشخص مثلما حصل في البداية حين ربطوا المحاسبة بتاريخ عودة الزعيم بورقيبة إلى تونس من المنفى".
ويضيف البرهومي قائلا: "لا بد من عدالة انتقالية في تونس نتعرف من خلالها الى معاناة "الضحية" نعم، لكن وجب ايضا اطلاعنا على ما فعله الضحية او كان ينوي فعله لانه لا توجد عدالة انتقالية بكشف نصف الحقيقة مثلما أرادوا في البداية معتمدين على ثنائية الملائكة والشياطين. ونريد أيضا مسارا يشرف عليه مختصون في القانون والتاريخ والأرشيف وغيرها لا أشباه يدّعون العلم في كل المجالات، كما نريد مسارا لا يتعامل بازدواجية المعايير مع الأحداث يحمل بن علي المسؤولية عن الانتهاكات الحاصلة في عهده ويحمل من حكم بعده نفس المسؤولية عن أحداث وانتهاكات حصلت بعده وليس مثلما الهيئة المنهية صلاحياتها حين الصقت التهمة عن الإنتهاكات الحاصلة بعد بن علي بالقيادات الأمنية متجاوزة بازدواجية في المعايير مبدأ مسؤولية الرئيس عن أفعال المرؤوس".

إتحاد الشغل
ويضيف محدثنا قائلا: "نريد مسارا جديا يكون هم المشرفين عليه كشف الحقيقة وجبر الضرر للضحايا، بعد اعتذار الجلاد ثم التعويض مع إصلاح أجهزة الدولة، لا مسارا يثري المشرفون عليه من المال العام من دون رقيب او حسيب، وسنكون وقتها احرص الناس على كشف الحقيقة كما هي وليس كما تريدها بعض الأطراف السياسية، وسيرى البعض اننا احرص منهم على ترسيخ عدالة انتقالية حقيقية في تونس".
وقال: "قد نختلف مع اتحاد الشغل في أشياء كثيرة لكن منظمتنا الشغيلة العريقة التي نعرف اصلها وفصلها وظروف نشأتها قادرة على الإشراف على مسار العدالة الانتقالية مثلما اشرفت على الحوار الوطني. وبرأيي المتواضع، فان الاتحاد العام التونسي للشغل هو الأقرب من غيره للحصول على شبه إجماع وطني افتقدناه مع هيئة الحقيقة والكرامة المنتهية صلاحياتها".

2018-03-30