ارشيف من :آراء وتحليلات

سياسة الكروت المحروقة

سياسة الكروت المحروقة

أحمد فؤاد

سافر ولي العهد إلى الولايات المتحدة، وعاد، بلا جديد، سوى تصريح غير مسبوق، كقنبلة طارت شظاياها شرقًا وغربًا، وغطت على زيارة باهتة، لم تفلح في تحريك الحليف الأميركي في حرب مشتركة ضد طهران، التي يعتبر الأمير قضيتها مصيرية للعرش السعودي.

ولي العهد الشاب قال إن المملكة نشرت المذهب الوهابي، لدعم حليفها الأميركي، خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق، في إطار ما يراه ويفهمه من تحالف راسخ بين المملكة وواشنطن، خاضتا خلاله تلك الحرب الخفية ضد عدو مشترك، وانتهت بالنصر.

دون أن يدري أو يقرأ، دفع الأمير بما ظنه أقوى الكروت، خلال لعبة تأليب ترامب على خوض حرب في الشرق الأوسط ضد إيران، متناسيًا أن الكروت المحروقة أو المعروفة لا تؤدي لمكاسب على الإطلاق.

تشبه لعبة الأمير في واشنطن، لعبة سبق أن قام بها رئيس عربي آخر، هو المصري أنور السادات، الذي طرد الخبراء السوفيات من مصر عام 1972، سعيًا وراء تعزيز علاقاته مع الغرب، الذي كان سلفه جمال عبد الناصر يناصبه العداء، ودخل ضده في معارك متتالية، سبقها صراع مسلح في 1956، أدت بجانب غيرها من أسباب لنكسة مروعة في 1967.

قرأ السادات واقع العالم، وتيقن أن هناك قوة دولية واحدة قادرة على الفعل، ولمس أزمة السوفيات مبكرًا جدًا، فسعى إلى الطرف القادر، بعد عامين فقط له في السلطة، لكن الطرف القادر لفظه، وكتب ثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر، الذي كان وزير خارجية وقتها: "لما لم يتصل بنا ويطلب كل التنازلات الممكنة قبل أن يطرد السوفيات.. لن ندفع ثمنًا لقرار قد أتخذ وانتهى الأمر"، ولم يحصل السادات من أميركا سوى على الفتور، الذي شجعه على خطوة أكبر.

بعد حرب أكتوبر التحريرية، بدأ السادات وحده في عملية سلام شاملة مع العدو الصهيوني، متخليًا عن الدول العربية الأخرى، وعن رفاقه السوريين في الحرب، هنا فقط استقبلته الولايات المتحدة كالبطل، وقام الإعلام الأميركي بحملة مجانية للرجل، الذي كان منبوذًا في كل العواصم العربية، حتى وقع معاهدة كامب ديفيد، التي أخرجت مصر تمامًا من الصراع العربي الصهيوني، بل واستقبل الشاه الإيراني المطرود، مقدمًا خدمة كبرى لواشنطن، مطيحًا في الوقت ذاته بما تبقى له من شعبية في مصر.

بعد المعاهدة صار السادات ورقة محروقة، مثل العبء الثقيل أكثر من كونه حلًا للأزمات، وجاءت نهايته عقب خريف اعتقالات في القاهرة، كان آخر محاولة منه للسيطرة على خيوط السيطرة التي أفلتت من يده، داخليًا، عقب انفراط العقد العربي.. مشهد اغتياله وغياب الحرس من أمام المنصة كان مثيرًا لتساؤلات لا تزال بلا إجابة حتى اليوم، لكن الطرف المستفيد بالتأكيد كان الولايات المتحدة، التي استفادت منه حتى الرمق الأخير.

الأميركيون أمهر سكان الأرض في التسويق والتربح، لا جدال في أنهم يدركون أزمة ولي العهد، التي تعد في حقيقتها أزمة للعرش السعودي، بعد عقود طويلة من التحالف وجدت المملكة نفسها في العراء، قرب ثلاث قوى تتصارع على الشرق الأوسط وفيه، وهي على ترتيب القوة إيران وتركيا والكيان الصهيوني، ودولتين منهما نوويتين، والتقارب المعلن مع الكيان الصهيوني لم يفلح في تغيير ترتيب الأولويات الأميركية في المنطقة.

الحل الذي يقفز للذهن فورًا، ولماذا لا تعتبر المملكة أن التحالف مع الولايات المتحدة يعطيها الحق في الحفاظ على مسافة محترمة من السياسة الأميركية، وتسعى القيادة فورًا وبغير إبطاء في إغلاق الملفات التي تعترض تمددها العربي الطبيعي، مثل الحرب في اليمن، والتدخل في سوريا، وتستفيد بالتالي من محيطها، عوضًا أن تكون خنجرًا في الظهر العربي.

2018-04-01