ارشيف من :آراء وتحليلات
ماذا بعد تحرير الغوطة الشرقية؟
شارل ابي نادر
تتكاثر تحليلات وتقديرات المتابعين حول تحديد وجهة الجيش العربي السوري بعد تحرير الغوطة الشرقية، حيث ان الاخيرة على الطريق النهائي لان تعود كاملة الى حضن الدولة السورية، بعد ان دخل اتفاق التسوية في دوما حيز التنفيذ، من خلال بدء توجه الحافلات التي تنقل مسلحي جيش الاسلام وعائلاتهم الذين رفضوا المصالحة، وذلك الى ريف حلب الشمالي قرب جرابلس ومحيطها.
استنادا لمسار الامور الذي فرض نفسه مؤخرا، و انطلاقا من الخارطة الميدانية التي رسمها الجيش العربي السوري مدعوما من حلفائه الروس و من حلفائه في محور المقاومة، يبدو انه في الوقت الذي تتناقص فيه بشكل متسارع جغرافية سيطرة الارهابيين، تتوسع بالمقابل جغرافيا سيطرة الدولة السورية لتصل الى كافة المناطق التي خرجت من سيطرتها بعد الحرب الكونية التي شنت عليها.
في وسط البلاد
بداية، لا شك ان الجيش العربي السوري يحضر المناورة الاسرع، عسكريا او عبر التسوية، لتحرير البقعة الاخيرة من سيطرة المسلحين في القلمون الشرقي، ما بين الضمير، الرحيبة، جيرود و وادي مِحسّة، و حيث لا افق لهؤلاء المسلحين في استمرار سيطرتهم في تلك المنطقة بعد ان لمسوا نهائية قرار الجيش الحاسم، من المنطقي ان يلتحقوا بركاب رفاقهم في الغوطة الشرقية، مصالحة ام إنسحابا.
لناحية جنوب العاصمة المباشر ما بين مناطق الست زينب وجرمانا و داريا، في مناطق مخيم اليرموك و الحجر الاسود و حي القدم وببيلا وبيت سحم، قد يسبق تنفيذ التسوية مع مسلحي تلك المناطق آخر مرحلة من تنفيذ تسوية دوما، حيث ترتبط الاخيرة بالعدد الاكبر من مسلحي جيش الاسلام ومن عائلاتهم، الذي سيتم سحبهم من دوما، كما انها ترتبط باكمال بنود التسوية المتشعبة من إطلاق سراح المخطوفين الى تقديم خرائط الالغام والانفاق الى تسليم الاسلحة الثقيلة والمتوسطة، بالاضافة لتعيين المجلس المحلي الذي سينسق مع الروس ومع الدولة السورية لإدخال دوما رويدا رويدا في مسار العلاقة الطبيعية مع الدولة.
بخصوص ما تبقى من مواقع للمسلحين على طريق حمص حماه، في مدينتي الرستن والتلبيسة ومحيطهما، يبدو ان الاهالي فهموا اللعبة اسرع من المسلحين هناك، حيث تشير بعض المعطيات عن قيام هؤلاء الاهالي في بلدة تقسيس ومحيطها بطرد المسلحين خارج المنطقة، و مع احتمال تزايد هذا الضغط الشعبي على المسلحين، والمترافق مع إقرار و اقتناع هؤلاء بحتمية تحرير المناطق حيث ينتشرون، بالاضافة طبعا لتحضيرات عسكرية من الجيش، فان تلك المناطق لن تتأخر كثيرا لكي تتحرر وتعود الى سلطة الدولة بالكامل.
ما ذكر اعلاه من مناطق يسيطر عليها المسلحون وهي عمليا على الطريق لان تتحرر، مصالحة ام حسما عسكريا، تعتبر مناطق بعيدة عن التأثير الخارجي المباشر، او على الاقل غير مرتبطة مباشرة بالتعقيدات الاستراتيجية الدولية والاقليمية، و يمكن اعتبار موضوع تحريرها منتهيا، واكتماله مسالة وقت فقط وغير بعيد.
اما لناحية المناطق الاخرى، في الجنوب ما بين درعا والقنيطرة، وفي الشمال في محافظة ادلب وبعض ارياف حماه الشمالية، وفي الشرق، ما بين منطقة التنف وشرق نهر الفرات بالكامل حتى الحدود مع تركيا والعراق، فيمكن تحديد العناصر التي تبني عليها الدولة السورية مناورتها لتحرير تلك المناطق على الشكل التالي:
جنوبا
من الناحية العسكرية والميدانية، لم يعد من مجال للمقارنة بين قدرات الجيش العربي السوري المتفوقة على المسلحين بشكل كامل، الامر الذي يؤمن لهذا الجيش الحسم العسكري الاكيد، وتبقى التعقيدات الاستراتيجية المتعلقة بالاردن وباسرائيل وبالولايات المتحدة الاميركية، و حيث اصبح واضحا ان الاردن اقتنع بضرورة عودة سلطة الدولة السورية كاملة الى حدوده الشمالية مع سوريا، لمصلحته الامنية والاقتصادية والاستراتيجية، يبدو ان اسرائيل بدأت تبحث عن المخرج الذي يؤمن حماية وحداتها المحتلة في الجولان السوري، عبر طلب عودة قوات الامم المتحدة لمراقبة الهدنة " الاندوف "، وذلك بعد ان اقتنعت ايضا بان لا افق لاستمرار سيطرة الارهابيين على المناطق المتاخمة للمنطقة التي تحتلها، كما وان الولايات المتحدة الاميركية، لن تعارض وبالقساوة المعهودة، عودة الدولة السورية الى الجنوب السوري، خاصة اذا لمست اعترافا واقتناعا اردنيا واسرائيليا بحتمية هذه العودة.
شمالا
يبدو ان تركيا، صاحبة النفوذ الاكبر شمالا، في ادلب ومحيطها، سلكت بجدية هذه المرة مع الروس والايرانيين بتحقيق منطقة خفض تصعيد واسعة، تؤمن من خلالها الارضية الميدانية للسير بالمفاوضات المرتقبة بين المعارضة والدولة السورية، والتي اكتسبت مؤخرا ( المفاوضات) غطاء دوليا قويا.
شرقا
حيث انها المنطقة التي حافظت طيلة الفترة السابقة على تعقيداتها الاستراتيجية، نظرا للاحتلال الاميركي فيها، ولتداخل الوجود العسكري الدولي فيها مع قوات سوريا الديمقراطية الحالمة بكانتون انفصالي، لا شك ان مصيرها يتعلق بما يمكن ان يترتب عن القرار الاميركي بنية الانسحاب منها، والذي اعلنه الرئيس ترامب شخصيا.
من هنا، وبمعزل عن التعقيدات الاستراتيجية التي تطبع المناطق السورية المذكورة جنوبا وشمالا وشرقا، لا شك ان ما لمسناه خلال كامل فترة الحرب على سوريا من اصرار وثبات، برهنته الدولة ممثلة برأسها الصامد، الرئيس بشار الاسد، وبذراعها القوية الصلبة العنيدة، الجيش العربي السوري، يعطي فكرة واستنتاجا واضحا واكيدا، ان الدولة السورية ستتحرر بالكامل وستعود تمتلك كامل جغرافيتها استنادا لحدودها الدولية المعروفة، وستستعيد كامل ثرواتها ومقدراتها و وجودها ودورها الاساس في الشرق وفي العالم.