ارشيف من :تحقيقات
أحياء دمشق المتاخمة للغوطة تستعيد حياتها.. وتعيش فرحة الأعياد
حياة بنكهة النصر ولون العيد تلك التي عاشتها أحياء باب توما والقصاع والقصور والعباسيين والتجارة بعد جلاء الإرهابيين عن الغوطة الشرقية. ومع الإحتفال بعيد الفصح المجيد لدى الطوائف المسيحية الشرقية في سوريا يصبح العيد عيدين، الفصح والقيامة، وقيامة سورية التي يعمها السلام مجدداً.
قداس الإنتصار
غصت كنيسة سيدة دمشق بزوار الرحمن الذين جاؤوا لحضور قداس عيد الفصح المجيد. الكنيسة التي تعرضت خلال الأزمة لإعتداءات عديدة أصابتها بشكل مباشر ومتعمد، يقف الوافد اليها اليوم مستمعاً للصلوات والتراتيل. أجواء الأمان التي شاعت في المحيط جعلت الناس يتخلون عن التحفظ الذي لازمهم لسنوات الأزمة حين كان مجرد المرور في ساحة العباسيين خطراً على الحياة. انطوت هذه الصفحة وبدأت معها مرحلة جديدة قوامها الأمان الذي سينجز تحت عباءته كل خير، كما قال الأهالي الذين التقاهم موقع "العهد" الاخباري.
طاعناً في العمر، يبدو الأب الياس زحلاوي الشخصية الروحية التي يُجمع السوريون جميعاً باختلاف طوائفهم على تقديرها. نسأله عن أجواء العيد فيقول "العيد بالنسبة لنا بات عيدين، عيد الفصح المجيد وعيد الأمان الذي فرضه الجيش العربي السوري، لذلك فإن فرحتنا كبيرة، والفرح الأكبر كان تزامن حضور عيد الفصح بحسب التقويم الشرقي مع تحرير الغوطة"، شاكراً "كل من وقف معنا في هذه الأزمة، كما نشكر روسيا وإيران وحزب الله المقاوم بقيادة الشيخ المجاهد السيد حسن نصر الله، ونحن نعلم بأنه لو نجحت المؤامرة على سوريا لوصل الخراب إلى كل البلدان، لذلك فإننا نقول لهؤلاء الأحبة مع الإحتفاظ ببالغ الشكر والإمتنان لهم بأنكم تدافعون عن أنفسكم إذ دافعتم عن سوريا".
الأب رأفت أبو النصر، يلفت من جهته في حديثه لموقع "العهد" الاخباري الى أن "كنيستنا كما تعلمون متاخمة لجوبر وساحة العباسيين، كانت تسمى ساحة الموت، وأصبحت اليوم ساحة الحياة بهمة السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد وهمة الجيش العربي السوري وحزب الله العزيز علينا جميعاً".
حياة بلون الفرح
خارج الكنيسة كما داخلها، اكتظاظ لم تشهده الأحياء المتاخمة للغوطة منذ سنين. المواطنون ظهروا وكأنهم يكتشفون أحياءهم مجدداً. منظر خروج الإرهابيين إلى الشمال السوري مكللين بالخزي والعار انعكس بدوره ارتياحاً كبيراً عليهم، فراحوا يتمشّون بهدوء بين أحياء كانوا يطوونها بعجالة لافتة حين كانت القذائف والصواريخ تتساقط عليهم كالمطر. يبتسم الطفل أيمن لنا حاملاً بيده "سندويشة" من الشاورما، ويقف إلى جانب أخيه الصغير وأمه. "هل صار الخوف من الماضي؟" نسأل السيدة المبتسمة فتجيب "نعم صار كذلك، كنا نركض كالمجانين خوفا من قذيفة تسقط على غير موعد أما اليوم فها نحن نتمشى بهدوء تحت شمس الربيع الدافئة، أجمل شعور هو الأمان الذي كنا أكثر من حرم منه طوال فترات الأزمة".
أجواء الأمان هذه انعكست على حركة الأسواق والواقع الإقتصادي في الأحياء المحررة، سيما وأن ذلك تزامن مع الأعياد. رائحة القهوة الزكية في باب توما تقود الناس طائعين إلى محل أبو الياس، نسأله عن الأحوال فيجيب "اختلف الوضع كثيرا عن السابق، يقولون أن في الحركة بركة وهذا ما شاهدناه خلال الأيام الثلاثة الماضية.
القهوة الحلوة صارت هي الضيافة الرائجة بعدما كانت القهوة المرة هي الوجبة الوحيدة على موائد الحزن والتعازي التي لم تنقطع عن هذه الأحياء.
جميلة سيدة تعمل موظفة حكومية في باب توما، سكنها في المزة كان يلزمها الذهاب يوميا إلى هناك/، تقول "في كل مرة كان زوجي وأولادي يعيشون حالة من الرعب ولا يهدأ لهم بال حتى أعود إلى المنزل بسلام، مرات عديدة كان النقاش يتحول إلى مشكلة وخصومة عن جدوى الراتب بعد أن أموت، لقد كان الموت هاجسنا جميعا".
في الساحات العامة تنتصب صور الشهداء وكأنها تراقب من عليائها زرع البطولة الذي سقته بدمائها والذي أثمر في النهاية نصرا ناجزا وأمانا وافرا ما كان له أن يعم لولا تلك التضحيات التي يقدرها الأهالي هنا بشكل كبير ويحفظون جميلها عن ظهر قلب.