ارشيف من :تحقيقات

أهالي المختطفين يتقفون أثر أبنائهم عند معبر دوما

أهالي المختطفين يتقفون أثر أبنائهم عند معبر دوما

تتبدل وجوه الإرهابيين الخارجين من دوما برفقة عائلاتهم مع كل حافلة تخرج من المنطقة، تماماً كما تتبدل المواقف، وألوان الحافلات هناك. وحدهم أهالي المخطوفين من أبناء سوريا، ثابتون في أماكنهم. يفترشون أرض ويتخذون السماء غطاءً لأيام بلياليها، بانتظار أن يتحرك ملف أبنائهم بعدما تحركت حافلات الإرهابيين خارج دوما.

نبيل شعبان يتّخذ من المعبر سكناً.. بانتظار خبر عن نجله

يمر الوقت ثقيلاً على نبيل شعبان الذي اسمرّ وجهه بشدة تحت أشعة شمس نيسان. ينظر الرجل إلى المعبر الآمن في مخيم الوافدين ويترقب بعيون غائرة حافلات الإرهابيين الخارجة من هناك. لا يجد الرجل الستيني غضاضة في الإقتراب منهم وسؤالهم عن مصير ولده وسام المخطوف لدى ميليشيا "جيش الإسلام". يُواجَهُ شعبان بالصمت حينا وبالشماتة أحياناً، فيقفل عائداً باتجاه سيارته المركونة في المعبر منذ ثلاثة أيام وهو يجرّ أذيال الخيبة. يطوي مقعد السيارة نحو الخلف ويأخذ غفوة صغيرة يحلم خلالها بعودة ابنها وسام قبل أن يعود مجدداً لتأمّل المعبر الفارغ.

منذ اختطافه في برزه بداية العام 2014 واتصال الإرهابيين بوالده تشفّياً وابتزازاً، انقطعت الأخبار عن وسام، وراحت الظنون تتأرجح بأسرته بين الأمل واليأس. "اتصل بي وهو تحت تهديد سلاحهم وقال بأنه مختطف لدى "جيش الإسلام" وقبل أن أسأله عن حاله أغلق الإرهابيون الهاتف وانقطعت أخباره نهائياً"، يقول شعبان والد وسام في حديثه لموقع "العهد" الاخباري.

أم علي تتقفى أثر ابنها

يبدو أبو وسام على درجة عالية من الحظ مقارنة مع آخرين جاوروه مجلس العراء وهم لا يملكون أدنى فكرة عن مصير أبنائهم الذين انقطعت أخبارهم بشكل نهائي. تماماً كحال السيدة أم علي، والدة المخطوف علي أبو حسن المنحدر من ريف حمص الشرقي والمتطوع في الجيش السوري كسائق بلدوزر. اختطف الرجل في الغوطة ولم تعرف العائلة عنه شيئا حتى اللحظة. لم تترك أمه محرراً من المختطفين إلا وشدّت إليه الرحال حاملة إليه صورة ابنها. البعض شبّهه دون أن يعطي جواباً قاطعاً، وآخرون أنكروا رؤيته من الأساس ليأتيهم بعد فترة طويلة هاتف من مخطوف محرر يقول بأن علي قد كتب له بظفره على يده رقم هاتف العائلة وطلب أن يتصل بهم ليخبرهم انه في سجن التوبة الشهير بدوما. أضفى الخبر على العائلة بعضاً من أجواء الاطمئنان، لكنه بقي خبراً يتيماً لم يُعزز بآخر يقطع الشك باليقين.

أم طلال اقتحمت مكان احتجاز نجلها

 أم طلال سيدة من جسرين في الغوطة الشرقية استشهد ولدها المقاتل في صفوف الجيش السوري في المعارك ،وقام الإرهابيون باختطاف أخيه الأكبر بعد ذلك بتهمة موالاة الحكومة السورية. اقتحمت السيدة على الإرهابيين المقر الأمني الذي يتم فيه التحقيق مع طلال، لتجده مغمض العينين ومقيد اليدين إلى كرسي الإعتراف. سمع الفتى صوت أمه وهي تصرخ بوجه الإرهابيين فتوسل إليها أن تخرج زاعماً بأنهم سيطلقون سراحه بعد مدة قصيرة. خرجت السيدة مقهورة مكسورة، ومنذ ذلك اليوم تترقب الأخبار عن ابنها المغيب. "سأبقى هنا في العراء حتى يخرج، لا أحتاج لأكثر من رغيف خبز وشربة ماء، أريد أن أراه فقط" تقول السيدة لموقع "العهد" الإخباري.

ساعات الإنتظار الطويلة لعشرات من ذوي المخطوفين خلقت حالة من التقارب بين غرباء يتقاسمون الفجيعة والأمل على السواء. فعلى معبر مخيم الوافدين، وفي هذه البقعة الضيقة من الصبر، اجتمع سوريون من كل الجغرافيا، كلّ وجد في حزن صاحبه الجالس إلى جانبه في العراء عزاء له يخفف عن مصابه.
يحاول الجالسون على قارعة الإنتظار تمرير الوقت وتخفيف العبء، لكن المعبر يبقى فارغا على أمل عبور الأحبة المغيبين نحو الضفة الأخرى من الحياة.

2018-04-05