ارشيف من :نقاط على الحروف

الضحك الممنوع في مصر

الضحك الممنوع في مصر

"اضحكوا، جفت الدموع ولكن لنا الضحك، الضحك أقوى من البكاء وأسلم عاقبة، اضحكوا من صميم القلوب. اضحكوا حتى يسمعنا أصحاب الحوانيت بشارعنا السعيد".

 

كانت تلك وصية الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ في روايته "الكرنك". حكمة استقاها من فطرة وطبيعة الشعب المصري المُحب للضحك والفكاهة والسخرية حتى أطلق على نفسه وصف "شعب ابن نكتة"، إلا أن محفوظ كان متفائلاً عندما رأى أن الضحك أسلم عاقبة من البكاء، وربما لأنه لم يتخيل أن يأتي على المصريين يوم يُصبح الضحك فيه تهمة تقود صاحبها إلى السجن.

 

لطالما ارتبط الضحك والتنكيت عند المصريين بالسياسة والحكام، لذا فقد بزغ نجم الإعلامي المصري باسم يوسف في العالم بشكل لم يسبق له مثيل لأنه استخرج من المصريين أجمل ما فيهم وأفضل ما يُحبه العرب منهم وهو "خفة الدم". كانت المقاهي تمتلئ بالمتابعين وقت إذاعة حلقات برنامجه "البرنامج" في كل الأقطار العربية من عدن إلى طنجة، وعلى مدار 3 أعوام تقريباً سخر باسم من الحكام والسياسيين والإعلاميين بشكل جديد على الإعلام العربي، فتناول فترة حكم المجلس العسكري لمصر ثم فترة حكم الاخوان المسلمين حتى جاء الحكم العسكري المباشر ليمنعه من الظهور، ويحرم ملايين المشاهدين من متعة لم يروا مثلها.

وبعد عدة حلقات تناول فيها شخص الرئيس المصري، اشتدت المضايقات وحملات التشويه والتخوين والتهديدات مثل ارسال "بلطجية" لمحاصرة المسرح الذي كان يُقدم فيه عرضه وبلاغات لمحاكمته وتهديدات باستهدافه واستهداف أسرته وفريق عمله خرج باسم في عرض أخير يُعلن توقف البرنامج وانتهاء حالة من الابداع أسرت قلوب الملايين، موضحاً في حديثه بأن "الظروف والضغوط كانت أكبر من أي شخص"، و"أن البرنامج بشكله الحالي ليس مسموحاً له أن يستمر أو يعرض على أي قناة مصرية أو عربية"، ولافتاً إلى عروض بديلة قُدمت إليه قائلاً "لدينا الكثير من العروض لعرض البرنامج في قنوات أجنبية أمريكية وأوروبية، لكن طبعا هذه الاتجاه يؤدي إلى التخوين والعمالة.. وإذاعة البرنامج من خارج مصر ستفقده مصداقيته .. هذا البرنامج مكانه في مصر"، رافضاً فكرة عودة البرنامج عبر موقع "يوتيوب" لضخامة الإنتاج الذي لن يستطيع الموقع تغطيتها، لتُغلق الستارة على حالة من الفكاهة والسخرية والابداع لطالما أسعدت الملايين.

ومؤخراً، خسرت الكوميديا والفكاهة المصرية عدة تجارب أخرى كانت تحاول رسم البسمة على شفاه المصريين، بدأت ببرنامج أبلة فاهيتا، الدُمية التي لا يظهر أبداً وجه محركها ولا مؤدي شخصيتها الحقيقية والذي بات مُعرفاً أنه "حاتم الكاشف" الشاب المصري الذي درس المسرح في مصر والولايات المتحدة، وقد حقق البرنامج انتشاراً واسعاً دفع العديد من أنصار "النكد" إلى استهدافه بالاتهامات.. حتى أصبحت فاهيتا مادة شبه يومية لبرامج التوك شو الممولة من النظام.

وبعد الكثير من البلاغات والاتهامات، سرت شائعة تفيد بوقف البرنامج بعد بيان من المجلس الأعلى للإعلام طالب فيه القناة بحذف عبارات، ووضع اسم محرك الدُمية على تتر البرنامج وغيرها من الطلبات، لتصل رسالة من البريد الإلكتروني للقناة إلى العاملين بالبرنامج تُخبرهم فيها بإيقاف البرنامج إلى أجل غير مسمى، وتأكيدات بوقف التصوير على مسرح "راديو" الذي كان مقراً رسمياً للبرنامج، إلا أن القناة أصدرت لاحقاً بياناً نفت فيه ذلك وموضحة بأن كل ما حدث هو انتهاء الموسم الحالي فقط.

أما برنامج "ساترداي نايت لايف بالعربي" الذي مثل النسخة العربية من البرنامج العالمي الشهير الذي يحمل نفس الاسم، فقد تكلف المجلس الأعلى للإعلام بوقفه بقرار حمله بيان صحفي جاء فيه "قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وقف برنامج إس إن إل بالعربي الذي يبث عبر قناة "أو إن إي" ويأتي القرار بناءً على التحقيقات التي أجرتها لجنة الشكاوى وبناءً على تقارير لجنة الرصد.. وقد أرسل المجلس خطابا يفيد بوقف البرنامج إلى السيد رئيس مجلس إدارة شركة إعلام المصريين".

وكان البرنامج الذي يُقدمه خالد منصور وشادي ألفونس، قد حقق شهرة كبيرة على مدار أربعة مواسم من الضحك والسخرية استضاف خلالها عدداً كبيراً من النجوم.

كان آخر تلك البرامج برنامج "البلاتوه" والذي كان يُقدمه الإعلامي أحمد أمين، والذي حقق شهرة واسعة هو الآخر، وتوقف لأسباب غير مفهومة سردها مقدمه في بيان عبر صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك" جاء فيه "برنامج البلاتوه وقف.. والحلقات المعروضة حاليا حلقات معادة.. وداخلين على سنة كاملة تقريبا ما عملناش حلقات جديدة.. توقف البرنامج كان بسبب قرار من قناة "النهار" لتعرضهم لبعض المشاكل المالية والتفاصيل أنا مش عارفها.. للأسف ده ترتب عليه حاجات كتير.. أولا: اعتذرت عن كل الشغل اللي كان ممكن اعمله عشان عايز اتفرغ للبرنامج وكانت القناة بتوعدنا كتير اننا راجعين لكن كلها كانت وعود وبس والله يعينهم على التحديات اللي هما فيها.. فبقيت قاعد في البيت مكبوت عندي حاجات عايز اقولها ومش عارف.. ولاني متعاقد مع القناة ماليش حق اني اشتغل في قناة تانية".

وأضاف أمين "ثانيا: القناة بدأت تنزل اعلانات على المحتوى القديم بطريقة مسيئة جدا للمحتوى.. وطبعا انا اعترضت كذا مرة ومافيش فايدة.. فابتدت توصلني تعليقات سلبية من ناس ليها كل الحق تزعل لأن أنا شخصيا منزعج وبقيت ما بحبش اشوف صفحة البرنامج ولا فيديوهات البلاتوه طبعا مع كل الاحترام للإعلان نفسه وللمعلن لكن انك تقطع عمل فني وتحشر فيه اعلان بالشكل ده.. عيب..
ثالثا: كل يوم ناس كتير بتسألني البلاتوه فين.. وأنا ما كنتش عايز ارد احتراما للقناة اللي كانت سبب في ظهور أول برنامج تلفزيوني ليا.. بس أنا كنت ساكت طول الفترة اللي فاتت عشان فيه ناس من فريق العمل ليهم مستحقات مالية ولسه لغاية النهارده ماخدوش فلوسهم (وانا منهم) فكنت اتمنى اننا نرجع نشتغل لكن يبدو ان مافيش فايدة..
أنا ممكن اتحمل كل المشاكل السابقة إلا ان الناس تبدأ تزعل من محتوى أنا تعبت فيه عشان يسعدهم ويرضيهم..
ادعو لي اعرف ارجع اقدم اللي كنت بحبه زي ما كنت.. واشكركم على صبركم علينا.. وبعتذر عن كل إساءة او تأخير ياريت القرار كان في ايدي.. لكن ما باليد حيلة.. وربنا يكتب لنا رزقنا في فرصة حلوة جديدة اعرف اعمل لكم حاجة تسعدكم.."

وبذلك، خسر المصريون قدراً كبيراً من المتعة.. وكأن الضحك صار ممنوعاً في بلد النكتة.

2018-04-06