ارشيف من :آراء وتحليلات
ما هي الابعاد الاستراتيجية للانتخابات العراقية؟
ما يشهده الاقليم حالياً وربما العالم بشكل عام، من تجاذبات حساسة تتعلق بالانتخابات التشريعية أو الرئاسية ليس بجديد، فتاريخ العملية الديمقراطية والتي تدعى "انتخابات" مليء بمواجهات واشتباكات عنيفة، لا تبتعد كثيراً في خطورة نتائجها على الدول التي تخاض على أرضها، عن نتائج المعارك والحروب، من الناحية الاستراتيجية المتعلقة بمصير وبموقع الدولة بدورها.
تتميز الانتخابات التشريعية أو النيابية المرتقبة في العراق لهذا العام، والتي تشهد التحضيرات المكملة لها حراكاً غير مسبوق، لناحية الاهتمام والتدخل الخارجي الواسع، ولناحية التحالفات وتركيب اللوائح وطرح البرامج الانتخابية والسياسية، بأهمية الابعاد الاستراتيجية لنتائجها، وذلك استناداً لشكل وتوجهات قرارات الحكومة المنبثقة عنها. وهذه النتائج التي ستتجاوز بالتأكيد الداخل العراقي الى المحيط والعالم، يمكن تحديدها على الشكل التالي:
بداية ننطلق من موضوع محاربة الفساد الذي يطبع الكثير من مفاصل الادراة والسلطة في العراق، على الأقل لناحية الاتهامات الواسعة به، بمعزل عن صحتها أو عدم صحتها. من هنا سيكون لشكل ومضمون وبرامج الحكومة المقبلة دور أساسي في متابعة الاتهامات بالفساد أو غض النظر عنها. وأهمية هذا الموضوع على الصعيد الاستراتيجي تكمن في نظرة الخارج للسلطة في العراق، النظرة الاقليمية أو الغربية، في ضرورة وجود سلطة فاسدة يمكن السيطرة عليها من قبل هذه الأطراف الخارجية، عبر تهديدها كسيف مسلط عليها، أو عبر الهائها بزواريب الفساد، وبالتالي تمرير وفرض الأجندات المطلوبة خارجياً.
الموضوع الثاني، هو العامل الأساس في تحديد الدور العراقي اقليميا، والذي يمكن أن يكون انطلاقاً من شكل الحكومة ومن اتجاهاتها السياسية، وهو العلاقة مع ايران، وكيف يمكن بالنسبة للأطراف المتدخلة من الخارج توجيه الحكومة المرتقبة لناحية العلاقة مع ايران، تقارباً أو ابتعاداً، وما لذلك من تأثير في اكتمال محور المقاومة، من طهران الى سوريا ولبنان عبر العراق، وحيث خسر معارضو هذا المحور حربهم الأساسية لقطع ترابطه، بعد خسارتهم المعركة ضد الدولة والجيش والنظام في سوريا، لذلك يركزون في الانتخابات العراقية على المجيء بحكومة تؤمن لهم ما خسروه في سوريا لناحية العلاقة مع ايران.
ثالثاً، في موضوع العلاقة مع سوريا، وحيث ما زالت أجندات الأطراف الخارجية الاقليمية والغربية الطامعة بسوريا، غير مكتملة و تتخبط في الشرق والشمال السوري، في الملف الكردي أو في ملف المجموعات المفترض أن تتولى ادارة مشروع هؤلاء في شرق سوريا، والتي حتى الآن هي غير موجودة أو غير جاهزة، تبقى العلاقة بين الحكومة العراقية المرتقبة وبين الدولة السورية اساسية في اكمال ضرب هذا المشروع التقسيمي لسوري، من خلال التنسيق أو عدم التنسيق، الأمني والعسكري والسياسي، وحتى الديمغرافي برعاية السلطات الرسمية، بين القبائل الحدودية المترابطة بين بعضها تاريخياً وثقافياً في الدولتين، خاصة وأننا نتكلم عن حدود تتجاوز الـ600 كلم، تحمل العديد من الثغرات والمسائل الحدودية والأمنية والاقتصادية بين البلدين.
وأخيراً، ربما قد يكون الموضوع الأكثر حساسية، والذي تلعب الحكومة وشكلها وتركيبتها الدور الأساس في معالجته، هو التواجد الاميركي في العراق، وهذا التواجد يمكن أن يعتمد أو يتأثر بنقطتين متباعدتين ومختلفتين في الظاهر، لكنها مرتبطة ببعضها بشكل وثيق في المضمون، وهي:
- هل سينتج عن الانتخابات العراقية وصول مكونات واسعة الى الحكم، تجمع مختلف الاطراف المختلفة مذهبياً وسياسياً، فتصبح المواجهة سياسية راقية، بدلاً من أمنية عسكرية صدامية، بحيث تنتفي أسباب وتبريرات تمدد الاعتراض والشعور بالغبن، ويتم اقفال أبواب انتشار التشدد المؤدي للحالة الارهابية كما رأينا مع "داعش"، وبالتالي نزع حجج الاميركيين التي عملوا دائما على خلقها لتبرير بقاء وحداتهم، والتي هي محاربة الارهاب؟
- كيف ستتعامل الحكومة العراقية المرتقبة مع موضوع التواجد العسكري الأميركي في العراق، والذي يتوزع في عشرات القواعد الجوية والبرية، وذلك لناحية تشريع أو رفض بقاء هذه الوحدات، وهنا تكمن بالنسبة للاميركيين ضرورة وصول حكومة لا تعارض هذا الوجود وبالتالي تُشَرّعه.
وأخيراً، انطلاقاً من هذه الأبعاد الاستراتيجية التي من الممكن أن تنتج عن شكل وتوجهات الحكومة العراقية المرتقبة، يأتي تفسير هذا الغليان الاقليمي والغربي للتأثير في نتائج الانتخابات التشريعية العراقية، وبالتالي المساهمة في ايصال حكومة عراقية تعوّض للخارج، وخاصة للاميركيين، ما خسروه في حربهم في سوريا، أو ما خسروه في صمود الدول والأحزاب المناوئة لمشروعهم، أو ما خسروه في التدخل الاستراتيجي الروسي بمواجهة مشروعهم في المنطقة.