ارشيف من :آراء وتحليلات
المسار الأمريكي إلى الحرب أم إلى التفاوض؟
هل تقود الأزمات المالية العالمية والحروب التجارية إلى التفاوض أم الى التصعيد لتصل الأمور إلى اشتباك عالمي مسلح؟
الإجابة ليست سهلة لأن السوابق التاريخية لا تقدم إجابة حاسمة، حيث مهدت الأزمات العالمية لحربين عالميتين، بينما اختلفت الظروف بعد الحرب العالمية الثانية بفعل توازن الردع النووي وكذلك العولمة الاقتصادية، حيث مرّت أزمات اقتصادية عديدة دون حروب.
قبل خوض غمار تتبع الشواهد ورصد التوقعات لا بد من الإجابة على سؤالين هما: هل نحن على أعتاب أزمة مالية عالمية؟ وهل هناك حرب تجارية؟
بخصوص شواهد الأزمة المالية العالمية، تتوقع المراكز الاستراتيجية الروسية أزمة مالية عالمية هذا العام ومنها مركز التقييمات الاستراتيجية والتنبؤات، الذي يرى أن هذا العام يتشابه مع نظيره منذ خمسين عاماً، عندما كان النظام المالي في العالم محموماً لمدة سنة أو سنتين في عام 1968، وعندما كان هناك انخفاض حاد في قيمة الدولار الأمريكي، والذي كان سببه العبء على الاقتصاد بسبب الحرب في فيتنام، والحرب الباردة، والواردات المتزايدة من أوروبا.
واستطرد المركز في تشبيهه ومقاربته بالاستشهاد بعوامل أخرى تجمع بين نيكسون وترامب، حيث قال نصا: "لقد وعد ريتشارد نيكسون بإنهاء الحرب في فيتنام، ولكن مستشاريه أعاقوا انهاء الحرب، وحدث التصعيد الكامل للنزاع في عام 1969، في الوقت نفسه في الولايات المتحدة بدأت المظاهرات الجماهيرية، ثم تبعتها الأزمة السياسية التي أنتهت برحيل نيكسون، وفي الواقع، جاء جيل الستينيات اليوم إلى السلطة هناك".
وفي الحقيقة ورغم التشابه الكبير في الظروف والملابسات بين موقف ترامب وموقف مستشاريه من الحرب في سوريا مع موقف نيكسون ومستشاريه من الحرب في فيتنام، إلا أن التوقعات الروسية أتت بقرائن أخرى قائمة على تجدد الأزمة كل عشر سنوات، حيث دللت على ذلك بأزمة عام 1978، عندما أدت المشاكل داخل "أوبك" إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، مما أدى إلى الركود الذي أعقب ذلك.
وأزمة عام 1988، وصولا إلى 2008
وبخصوص الحرب التجارية، فإن هناك حربًا تجارية دائرة بالفعل وصلت إلى حد الاشتباك بين الصين وأمريكا.
ويقول المراقبون أننا نشهد وضعاً يمكن تسميته بحرب تجارية مدللين على ذلك بأن الولايات المتحدة تفرض رسوماً على سلع التكنولوجيا الفائقة الصينية، وبالتالي تحاول إجبارها على الخروج من السوق الأمريكية، كما تعلن الصين أيضاً عن فرض رسوم على مجموعة كبيرة من السلع الأمريكية.
ويتساءل المراقبون عن مدى جدية الجانبين، وهل سيذهبان إلى النهاية في هذه المواجهة؟ أم أنها "لعبة أعصاب" وسلوك تفاوضي؟
وبعد التأكد من وجود حرب تجارية، والتوصل لقرائن وجيهة لحدوث أزمة مالية عالمية متوقعة، يمكننا التفحص في السلوك الدولي لتبين المسار ومدى اقترابه من التفاوض أو الحرب:
في الملف الإيراني، الإشارات متناقضة. يرى البعض مثل عومير كرمي مدير الاستخبارات في شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "سيكسجيل" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أقدم في الآونة الأخيرة على تعيين اثنين من المعارضين لإيران في منصبين رفيعي المستوى - وهما جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي ومايكل بومبيو في منصب وزير الخارجية – وهذا يمثّل مؤشراً إضافياً على انسحابه من الاتفاق النووي الشهر المقبل.
في المقابل، تشير "فورين بوليسي" الى أنه "إذا انسحبت الولايات المتحدة من خطة العمل المشتركة، يمكن التنبؤ بأربع نتائج سلبية:
- أولاً، ستواجه واشنطن اتهامات متبادلة من الحلفاء الأوروبيين، الذين ساعدوا في المفاوضات في الملف النووي ولديهم الآن عقود تجارية كبرى معلقة مع إيران.
- ثانياً، باستطاعة إيران استئناف أنشطة التخصيب هذه المرة بدون حظر أو عقوبات للأمم المتحدة.
- ثالثًا، يمكن أن ينشب سباق تسلح نووي إقليمي، حيث يسعى جيران إيران العرب إلى إلغاء امتيازها النووي.
بحسب "فورين بوليسي"، فإن مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون مؤهل بشكل بارز للإشراف على برنامج مكثف لجمع المعلومات والتفتيش النووي.
وفي الملف الأوروبي، هناك انقسامات وتوتر بين أمريكا وبروكسل، وكما يقول انتوني شو في مقال بمركز الأمن الأمريكي الجديد:
لا شك أن نفوذ بكين يهدد بتفاقم الانقسامات القائمة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الذين يكافحون بالفعل من أجل التوصل إلى سياسة خارجية مشتركة.
وفي أوروبا الشرقية على وجه الخصوص، تحقق الصين نجاحات من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الحيوية ويمكن أن تؤدي إلى إسفين بين الحكومات الوطنية وبروكسل.
وفي أمريكا اللاتينية حيث القمة المزمع عقدها، تقول مديرة الحوار بين بلدان أمريكا اللاتينية والبرنامج العالمي، إن "الولايات المتحدة تجبر دول المنطقة على الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، وإنها تضع بلدان أمريكا اللاتينية في موقف صعب للغاية، وفي الوقت نفسه لا تقدم سياسة جذابة بشكل خاص.
وبالتالي، ترامب له علاقة متوترة مع الاتحاد الأوربي على خلفية التجارة، وبريطانيا تستعد لاستلام دور في المنطقة يراه البعض وريثا لأمريكا بينما الأقرب أنه نائب لها".
وفي ظل ما سبق، نحن أمام سيناريوهين:
إما الوصول لتفاوض وتهدئة وتسويات في الملفات الدولية تمنع تفاقم الأمور وكارثيتها إذا حدثت الأزمة المالية المتوقعة. وإما مزيد من الاستقطاب الحاد في المعسكرات ونشوب حرب محدودة لصعوبة نشوب حرب عالمية كبرى، وهذه الحرب تكون محركة للتفاوض.
إذا حدثت هذه الحرب فإن ميدانها المرجح هو الشرق الأوسط وتحديدا سوريا حيث اشتباك المصالح الدولية والمعسكرات المتناقضة.
وإذا تساءلنا عن المواقف العربية، فالأنظمة العربية ستسير في الشوط الأمريكي لمنتهاه.
وفي مصر بدأت إرهاصات للتملص من الصين ووضعها في مصاف الخصوم، حيث كشف الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور هاني رسلان، عن قائمة الدول التي تقوم بتمويل "سد النهضة" الإثيوبي. وأكد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مصر لا تواجه أثيوبيا فقط، ولكنها تواجه تحالفا عريقا سواء في الإقليم أو المستوى الدولي، موضحا أن إثيوبيا تأخذ دعما دوليا من قطر، وتركيا، والصين، والاتحاد الأوروبي!