ارشيف من :آراء وتحليلات
الدور السعودي في نشر الوهابية.. تطرف في خدمة الكيان الصهيوني
في حوار له مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، كشف ولي عهد السعودية محمد بن سلمان عن أسباب تصدير بلاده للفكر الوهابي في العالم، الذي يُتهم بأنه مصدر للإرهاب العالمي وفق الصحيفة، حيث قال إن "الاستثمار في المدارس والمساجد حول العالم مرتبط بالحرب الباردة، عندما طلبت الدول الحليفة من السعودية استخدام مالها لمنع تقدم الاتحاد السوفييتي في دول العالم الإسلامي، وأن الحكومات السعودية المتعاقبة فقدت المسار، والتمويل يأتي الآن من "مؤسسات" داخل السعودية وليس من الحكومة"، وهي الشهادة الموثقة التي تُثبت ضلوع الولايات المتحدة في نشر التطرف والتشدد في العالم الإسلامي، ولكن كيف دعمت الولايات المتحدة هذا الفكر المتطرف في العالم؟
قبيل الغزو السوفيتي لأفغانستان في نهاية ديسمبر/كانون الأول عام 1979، اتخذ الرئيس الأميركي - آنذاك - جيمي كارتر قراراً بتقديم مساعدات لمعارضي النظام الشيوعي الموالي للسوفييت في أفغانستان، وقال مستشار الأمن القومي لكارتر "زبيغنيو بريجنسكي" في مقابلة شهيرة عام 1998 أنه كان على يقين بأن تلك المساعدات الأمريكية سوف تحفز تدخلاً سوفيتياً في كابول قائلاً "كنا نريد أن نهدي روسيا فيتنام الخاصة بها".
لكن في سبيل تحقيق الولايات المتحدة أهدافها من تلك الخطة تم تعزيز وتدعيم ما يسمى بـ"التطرف والتشدد" الإسلامي، حيث كان سبيل الولايات المتحدة في تحقيق تلك الخطة، فعقب التدخل السوفيتي في كابول واحتلال القوات الخاصة الروسية للمباني الحكومية والرئاسية والعسكرية والإذاعية بدعوى أن ذلك ينطبق مع معاهدة الصداقة التي كان قد تم توقيعها قبل عام، قَدِم بريجنسكي إلى القاهرة في الثالث من كانون الثاني/يناير عام 1980 كأول محطة في جولته المكوكية لتشكيل الحلف الأمريكي التي شملت الرياض وإسلام آباد، والتي اتفق فيها مع الرئيس الراحل أنور السادات على أن تكون مصر محطة انطلاق لتنفيذ الخطة وذلك عبر عدة وسائل أولها مشاركة الدولة في الحشد والتعبئة الدينية للقتال في أفغانستان ونصرة "المسلمين المستضعفين" ضد القوات الروسية، والأمر الأهم هو شحن الأسلحة السوفييتية المخزنة في المخازن المصرية وتقديمها إلى المجاهدين هناك لتظهر بأنها أسلحة تم اغتنامها من القوات الروسية، وبذلك يتم طمس أي بصمة للتدخل الأمريكي المباشر في الحرب.
وصباح اليوم التالي للقاء، بدأ السادات في تنفيذ الخطة بالحرف، فعقب أدائه صلاة الجمعة تحدث للصحفيين قائلاً بأن العالم الإسلامي يجب ألا يكتفي بإدانة الغزو السوفيتي ولكن يجب أن تكون هناك إجراءات فعلية، وعلى الدول الإسلامية والزعماء المسلمين الذين لزموا الصمت أن يقولوا كلمتهم الآن، مع التأكيد على أن جميع المصريين قد صلوا صلاة الغائب على أرواح أشقائهم الأفغانيين الذين سحقتهم الدبابات السوفيتية، وبعد يومين فقط كانت مصر تدعو لعقد مؤتمر قمة إسلامي لبحث ما سمي "الغزو السوفييتي"، مع إجراءات دبلوماسية تجاه روسيا وبعض الدول العربية التي انحازت لها، ثم بدأ العمل لشحن السلاح الروسي في مصر لأفغانستان والذي تم تخصيص مطار قنا له والذي كان معظمه من طرازات قديمة مع بدء الإنتاج بأحد المصانع الحربية في حلوان لينتج نفس هذه النوعية من الأسلحة إلى جانب السلاح.
وبدأت الدعوة لـ"الجهاد" بكلمة من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والذي علق في بداية الأمر على التدخل الروسي في أفغانستان بالقول بأنه "صراع بين الملحدين الأقوياء وبين المسلمين المستضعفين"، ثم التقطت السعودية الشرارة بعد لقاء بين "بريجنسكي" وولي العهد السعودي آنذاك فهد ووزير الدفاع سلطان، حيث بدأت المملكة في الحشد والدعم لـ"الجهاد" في أفغانستان، وبدأ نزوح المقاتلين إلى هناك من مواطنيها وباقي الراغبين من باقي الدول حيث وفرت لهم تذاكر السفر وخطوط الطيران الدائم إلى بيشاور وإسلام آباد، كما دفعت هيئات الإغاثة السعودية إلى العمل في بيشاور وأفغانستان. ومن الجدير بالذكر أن أحد أبرز هؤلاء كان قائد تنظيم "القاعدة" الأسبق "أسامة بن لادن" الذي غادر السعودية نهاية عام 1979 إلى أفغانستان حيث استطاع تأسيس مكتب الخدمات الذي تم الكشف على أنه كان برعاية جهاز الاستخبارات الباكستاني، وكيل جهاز المخابرات الأمريكية في الحرب.
والى جانب حشد آلاف من المقاتلين إلى أفغانستان، بدأت عملية التمويل والتي كان من ضمنها تقديم السعودية مبلغ 800 مليون دولار إلى باكستان لدعمها في مناصرة المجاهدين الأفغان، وتم تكليف أمير الرياض وقتها والملك الحالي سلمان بإنشاء هيئة لدعم وجمع الأموال لصالح "الجهاد" في أفغانستان. وأصبح سلمان مديرًا للجنة جمع التبرعات من العائلة المالكة والسعوديين لدعم المجاهدين، ومع انتشار خطاب الدعوة للجهاد عملت السعودية على نشر الوهابية والتشدد في عموم البلاد الإسلامية عبر دعم الفكر المتشدد ودعاته ومؤسساتهم وجمعياتهم وبناء المساجد الخاصة بهم، والتوسع في التحريم والتشدد والتطرف، وهو ما وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في شهادتها المسجلة أمام الكونجرس قائلة "دعونا نتذكر هنا أن أولئك الذين نقاتلهم اليوم نحن من قمنا بدعمهم يومًا ما قبل 20 عامًا".
وعلى المنوال ذاته، وكما كانت المصالح الأمريكية هي الدافع وراء ذلك الحشد الوهابي والتشدد، يتم إعادة الكرة مرة أخرى بصيغة مختلفة وذلك بتأجيج الصراع بين الشيعة والسنة لجعل إيران هي العدو الأكبر للعالم الإسلامي لحساب دولة الاحتلال الصهيوني. فخرجت توصيات المؤتمر الثالث عشر من مؤتمر "هرتزيليا" الصهيوني - والذي يوصف بأنه العقل المدبر لدول الاحتلال - عام 2013 بضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي من خلال السعي إلى تشكيل محور سني من دول المنطقة أساسه دول الخليج ليكون حليفاً لـ"إسرائيل" والولايات المتحدة، مقابل "محور الشر" الذي تقوده إيران، والذي سيكون بحسب التقسيم الإسرائيلي، محوراً للشيعة. وبالفعل اتخذت الرياض وبقيادة ولي العهد محمد بن سلمان خطوات كبيرة في هذا الشأن، بداية من الحلف السني الذي قادته لغزو اليمن، والتقارب مع دولة الاحتلال الصهيوني والسير خطوات كبيرة في رحلة التطبيع معها من لقاءات رسمية علنية وسرية بين مسؤولين من الطرفين، وشراكات اقتصادية وسياسية ومشاريع إقليمية، وذلك في صمت تام من رموز الدين في المملكة أو باعتقال الأصوات المحتمل اعتراضها، في مقابل شيطنة إيران والهجوم عليها وتسخير المنابر ضدها وجعل الصراع السني الشيعي أخطر وأكبر من الصراع ضد الاحتلال الصهيوني.