ارشيف من :آراء وتحليلات

العدوان على سوريا: أمريكا وحلفاؤها بين قرارٍ محسوم وهزيمة حتمية!

 العدوان على سوريا: أمريكا وحلفاؤها بين قرارٍ محسوم وهزيمة حتمية!

يبدو واضحاً من خلال الاصطفاف الغربي خلف الموقف الأميركي، ومواقف الأنظمة العربية أن لعبة الرأي العام تُشبه المشهد قبيل الحرب على العراق. قرار العدوان على سوريا محسوم لأسباب عديدة سنُبرزها في هذا المقال. فيما الأمر غير المحسوم هو الكيفية التي ستُقرِّر فيها واشنطن والغرب تجرُّع الهزيمة. وبين السيناريوهات العديدة للضربة والتي يتم الحديث عنها، يبدو واضحاً أن أمريكا وحلفاؤها غارقون في فخ الخيارات الصعبة أمام مشهدٍ إقليمي مُعقد لم تعد تنفع معه سياسات التفرُّد من جهة، فيما لا يوجد من جهةٍ أخرى، أي أرضية صلبة للتلاقي بين الأفرقاء حتى الحلفاء الغربيين لتناقض المصالح وتشابكها. فلماذا قرَّرت أمريكا وحلفاءها اللجوء الى الورقة الأخيرة؟ وأين تكمن المعضلة الأمريكية التي تعني تجرُّع الهزيمة؟

العدوان على سوريا: لماذا بات قراراً محسوماً؟

عدة أسباب جعلت قرار العدوان على سوريا خياراً وحيداً لدى واشنطن وحلفاءها. نُشير هنا لأبرزها:

- على صعيد الميدان السوري، ومنذ نهاية آب 2017، أيقنت واشنطن وحلفاءها أن الرهان على المجموعات الإرهابية انتهى. وهو ما عزَّزه التوجه العسكري للجيش السوري والحلفاء من خلال السعي لتثبيت الانتصارات الميدانية والتوسع في تحصين الحماية الاستراتيجية للعاصمة دمشق عبر معركة الغوطة والتوجه الى دوما، وما يعنيه ذلك من دلالات عسكرية تعني القدرة على التوجه نحو الجنوب السوري اذا لزم الأمر.

- على الصعيد المُتعلق بأطراف الصراع، باتت موسكو القوة الدولية شبه المُتحكمة بقرار المنطقة. استطاعت أن تُدير علاقاتها مع إيران بشكل يحفظ مصالح الطرفين. لتكون الى جانب طهران لاعباً مركزياً في الشرق الأوسط. وبالتالي رسَّخت دورها وحضورها الدولي، ما سينعكس سلباً على مصالح واشنطن الإستراتيجية وقدرتها على التحكم بساحات الصراع العالمية (المنطقة وأوروبا وشرق آسيا وجنوب أمريكا..).

- فيما يخص الطرف الإيراني، باتت طهران عرَّابة السياسات الإقليمية المُوجعة لواشنطن وحلفائها. تعاظم محور المقاومة الذي تقوده، يعني الكثير في ميزان الحسابات الدقيقة. أطراف قادرة على تهديد مصالح واشنطن وحلفائها بدءاً بمعادلات الميدان السوري (الشرق والشمال والجنوب) وصولاً الى اليمن والعراق وفلسطين. ما يعني شعور جميع الأطراف الحليفة لواشنطن بالتهديد الوجودي.

- أظهرت القمة الأخيرة بين ايران وروسيا وتركيا، خروج أنقرة من اللعبة الأمريكية بعد أن اختلفت الأولويات بينها وبين واشنطن، وأجبرتها هواجسها من السلوك الأمريكي البراغماتي الى التسليم بالسقف الروسي الإيراني في اللعبة السورية مما يعني أن أنقرة (بغض النظر عن الأسباب) التقت في مصالحها الإستراتيجية بالنتيجة مع أعداء وخصوم واشنطن.

- على المقلب الآخر يأتي الحديث عن المخاوف الإسرائيلية. وهو ما تُعبِّر عنه توصيات ما يسمى بـ"مركز الأمن القومي" في "تل أبيب"، حيث يبدو حجم الرعب الذي يعيشه الكيان هو الأكبر في تاريخه. رعبٌ عزَّزته معادلات حزب الله الجديدة وانتقاله في التجربة الى مراحل مُخيفة. زاد على ذلك انتقال الجيش السوري الى مرحلة متقدمة في الصراع، عبر معادلة الجو الجديدة التي رسَّخها في شباط المنصرم.
أتت بعد ذلك التحوُّلات الفلسطينية لترفع من وتيرة القلق الإسرائيلي. يُضاف الى ذلك، عدم قدرة القيادة في كيان العدو على انتزاع أي تعهدٍ من روسيا يضمن مصالح "تل أبيب" المرحلية أو الإستراتيجية. ما زاد الهواجس الإسرائيلية خصوصاً بعد اليقين بأن موسكو تربط بين مصير "النظام السوري" وأمنها القومي. لتلتقي مصالح روسيا مع إيران وحزب الله وما يعنيه ذلك من دلالات استراتيجية.

- من جهته، يسعى الغرب الذي يعيش تحديات داخلية اجتماعية واقتصادية، الى استباق انعكاسات الإشتباك الإيراني الأمريكي حول الإتفاق النووي. في ظل يقينٍ يعدم قدرة الأنظمة العربية على فعل شيء سوى تقديم المال. ما دفعه لأخذ خيار التصعيد ضد روسيا والإنطواء تحت التوجه الأمريكي متلاقياً مع واشنطن.

بعد حسم قرار العدوان: أين تكمن المُعضلة؟

اليوم، تقف واشنطن وحلفاءها أمام خيارات صعبة. فإذا كان القرار بالعدوان محسوماً، فإن الإرتباك واضح في حسم الإتجاهات. وهو ما تعكسه الأهداف الأميركية المتناقضة، بين ضربة موجعة أو أخرى محدودة. وعلى الرغم من أن اتساع دائرة الحلفاء يعني وجود فائض قوة مؤثرة في حال حصول حرب شاملة، فإن هذا يُعطي محور الممانعة بتنوعه سلة كبيرة من خيارات الإستهداف وبطرق عديدة، وهو ما يُشكل خطراً على هذا التحالف الغربي العربي.

من جهته يتصرف محور الممانعة (محور المقاومة وروسيا) كأنّ الحرب ستقع. يبدو واضحاً أنه قادر على إدارة نقاط قوته والتحكم بسلوكه. هدفه الأساس الحفاظ على معادلات التفوّق الاستراتيجي التي خرجت بها الأزمة السورية وبالتالي الذهاب الى المستقبل على قاعدة تثبيت نتائج الانتصارات ومعادلات الصراع.

بناء لما تقدم، يبدو واضحاً أن الخيارات الحالية فيما يخص الأزمة السورية تتأرجح بين اثنين. الخيار الأول هو القيام بضربة ظرفية محدودة لحفظ ما الوجه، ضمن سقفٍ مقبول قد يعتبره محور الممانعة رداً على الإنتصارات الميدانية المتعاقبة. الخيار الثاني هو القيام بضربة نوعية لتحقيق أهداف استراتيجية ستعني التدحرج حتماً لمعركة ستبدأ ضمن الجغرافيا السورية وسيبقى تطورها رهن مجرياتها، لكنها سرعان ما ستنتقل الى خارج الجغرافيا السورية. وفي الخيارين النتيجة واضحة وهي الهزيمة لأمريكا وحلفائها. فهل سيرضخ أصحاب القرار الى الحقيقة التي بات يعرفها العقل الأمريكي بأن في المنطقة أطرافاً ليسوا كما تعودت واشنطن؟ أم ستذهب أمريكا نحو الإنتحار بعد أن بات الصراع وجودياً؟ هكذا تعيش أمريكا وحلفاؤها بين قرارٍ محسوم بالعدوان وهزيمة حتمية!

2018-04-12