ارشيف من :أخبار لبنانية
هل يستعد ترامب للنزول عن الشجرة؟
رغم صدور بيان البيت الأبيض منتصف الليل وإعلانه انه لم يتم اتخاذ أي قرار بخصوص ما اطلقه الرئيس الاميركي من تصريحات حول توجيه ضربة لسوريا، لا تزال تردادات هذا التصريح تلقى صدى في الصحافة اللبنانية.
كتبت صحيفة "النهار" تحت عنوان "واشنطن تُعدُ لضربات "لا تخرج عن السيطرة"":
اجتمع الرئيس الاميركي دونالد ترامب مع كبار مساعديه لشؤون الأمن القومي بعد ظهر أمس في البيت الأبيض لدرس الخيارات العسكرية العقابية ضد سوريا، على خلفية مواقف أقل تصلباً لترامب ووزير الدفاع جيمس ماتيس أوحت بأن الضربة العسكرية لن تحصل بسرعة كما لمح الرئيس الأميركي الاربعاء، وقت يواصل المخططون العسكريون معالجة المخاوف التي يمكن ان تنجم عن أي خسائر روسية أو ايرانية جراء قصف المواقع العسكرية في سوريا.
وانعقد اجتماع ترامب مع أعضاء مجلس الأمن القومي في اليوم الذي أكد المسؤولون الأميركيون أن لديهم أدلة الآن على ان النظام السوري قد استخدم فعلاً الاسلحة الكيميائية في هجومه على مدينة دوما في الغوطة الشرقية السبت.
وبعد انتهاء اجتماع ترامب مع فريق الأمن القومي، أعلن البيت الأبيض أنّه لم يتمّ اتخاذ قرار نهائي وأن ترامب سيتحدّث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانيّة تيريزا ماي. وأضاف إن الإدارة الأميركية تواصل تقويم المعلومات وتتحدّث مع الشركاء والحلفاء في شأن الوضع في سوريا.
وصباح الخميس، دافع ترامب عن نفسه من الاتهامات الموجهة اليه بأنه فقد عنصر المفاجأة في المواجهة مع سوريا نتيجة تهديداته العسكرية قائلاً في تغريدة ناقضت مضمون كلامه صباح الاربعاء: "لم أقل قط ان الهجوم على سوريا سوف يحصل. هذا قد يحصل قريباً جداً، أو لن يحصل إطلاقاً".
ورأى ان حكومته قامت بعمل عظيم عندما تخلصت من "الدولة الاسلامية" (داعش) في المنطقة، شاكياً من جديد ان العالم لم يشكر الولايات المتحدة. وفي وقت لاحق صرح ترامب بان القرار المتعلق بضرب سوريا "سوف يتخذ قريباً". وقال للصحافيين في البيت الأبيض: "نحن ندرس الوضع العام بشكل بالغ الجدية، وسوف نرى ما الذي سيحصل. ومن المؤسف ان العالم وضعنا في هذا الموقع".
وقد استرعى الانتباه ان وزير الدفاع ماتيس الذي مثل أمس أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، أفاد ان الرد على استخدام سوريا السلاح الكيميائي يجب ان يتوازن مع خطر نشوب حرب أوسع، في اشارة ضمنية الى التورط غير المقصود في مواجهة مع القوات الروسية في سوريا. وقال: "نحن نحاول وقف قتل الناس الأبرياء، ولكن على المستوى الاستراتيجي، السؤال هو كيف نمنع التصعيد وخروج الوضع عن السيطرة". وتعهد إبلاغ المشرعين الأميركيين قبل توجيه أي ضربة عسكرية الى المنشآت العسكرية السورية، كما فعلت وزارة الدفاع قبل قصف قاعدة الشعيرات السورية، التي انطلقت منها الطائرات التي قصفت خان شيخون بالسلاح الكيميائي في نيسان من العام الماضي.
من جهتها كتبت صحيفة "الاخبار" تحت عنوان: " النقاش الأخير: حجم العدوان... والرد!"
"جملة تعقيدات تضافرت قد تؤدي إلى خفض سقف العملية الأميركية، يمكن إيجازها بخمسة محاور، بعضها يشعل جبهة داخلية نادراً ما توحّدت ضد الرئيس دونالد ترامب من جنرالات «البنتاغون»، ودبلوماسيي الخارجية الأميركية حول هندسة العملية العسكرية ضد سوريا. كذلك يختلف الأميركيون والأوروبيون حول مساحة ما ينبغي تدميره وقتله في سوريا، وتحت أي عنوان، فيما يضيف الروس تعقيدات إضافية بمهاتفة فلاديمير بوتين لترامب، وهو ما عدّته مصادر جزءاً من عدة الرد الروسي، والتذكير بملفات شخصية لدى أجهزة الرئيس بوتين عن «صديقه» الأميركي".
وتابعت تحت عنوان: "عسكريون سوريون: أعدنا توزيع العتاد... ولا نرتدي دروعنا" نقلا عن مصادر عسكرية سورية:
"أخبار كثيرة تتناقلها الصحف والمحطات العالمية عن إخلاء قواعد الفرق العسكرية في محيط دمشق، وتحرك الطائرات الحربية إلى قاعدة حميميم الروسية جنوب مدينة اللاذقية الساحلية. لكن الواقع الميداني لا يوحي بالخوف وباستنفار ضخم كما هو متداول في وسائل الإعلام الخليجية والعالمية أيضاً.
لا تسخّف المصادر العسكرية والميدانية من عمق التهديد الأميركي، غير أنها تنفي أي إجراءات تتعلق بإخلاء نقاط عسكرية بشكل تام، بل تسمي تحضيراتها توزيعاً للعتاد ونشره على مساحات متباعدة، بما يضمن سلامة القسم الأكبر منه في حال تعرُّض أي موقع عسكري لقصف محتمل. وتضيف أن الاهتمام الحالي منصبّ على ما يسمّى «الأمن الوقائي»، وهو ما تقوم به كل دولة عند تعرضها لأي تهديد خارجي، وفق بروتوكولاتها العسكرية. «في عام 2013 كنا وحدنا نجابه تهديد الضربة الأميركية، ولم يكن الحلفاء معنا بكل ثقلهم الميداني الحالي»، يعلّق أحد العسكريين على سؤال عن الخوف من تنفيذ التهديد الأميركي. ويضيف: «لا إجراءات استثنائية أبداً. نكذب إذ نقول إننا نجلس الآن في الخنادق مرتدين دروعنا وخوذاتنا، لكن هناك حالة من رفع الجاهزية، تتضمن استعدادنا للتحرك نحو مواقع أُخرى، في حال حدوث أي طارئ». ليس خافياً على العسكريين، في هذا السياق، الهدف الأميركي المتمثل بضرب مراكز القوة التي لا تزال في يد الدولة السورية، كالمطارات والقواعد العسكرية الكبرى، منعاً لتوسيع سيطرة «النظام» على مناطق جديدة، بعد طيّ ملف الغوطة الشرقية، والتحرك شمالاً نحو مناطق ريف حمص الشمالي مثلاً، أو حتى التوجه إلى شرق البلاد".
أما صحيفة "الجمهورية" فاعتبرت ان الضربة الاميركية تحمل أربع رسائل:
الرسالة الأولى إلى موسكو بأنّ أيَّ تسوية أو حلّ في سوريا لن يكون عن طريق تفرّد موسكو بالحل، والهدف من الضربة ترسيم حدود الدور الروسي في سوريا، بمعنى كل محاولات القضم العسكري الجارية على قدم وساق من أجل وضع الجميع أمام أمر واقع ميداني لن تمرّ، وأيّ تسوية لن تكون نتيجة معطيات عسكرية، إنما نتيجة عوامل سياسية تأخذ في الاعتبار لجم الدور الإيراني وعدم تغييب الدور السعودي.
الرسالة الثانية إلى طهران بأنّ دورها الإقليمي غيرُ مرغوب وتحديداً في سوريا لسببين: لأنّ سوريا تشكّل الجسر باتّجاه لبنان والداخل الفلسطيني والإسرائيلي، وبالتالي المطلوب قطع هذا الجسر نهائياً، والسبب الثاني منعاً لتحويل سوريا إلى لبنان جديد، ولذلك لا مستقبل للدور الإيراني في سوريا، والعلاقة التي بدأت مع النظام السوري منذ الثورة الإيرانية لن تستمرّ مع سوريا الجديدة.
الرسالة الثالثة إلى النظام السوري بأنّ وجوده موقت ورهن التطورات السياسية، وأنّ استمراره هو نتيجة العجز عن توفير البدائل، ولكنه لن يكون في أيّ يوم من الأيام وتحت أيّ ظرف من الظروف البديل على رأس النظام في سوريا.
الرسالة الرابعة إلى الرياض بأنّ واشنطن لن تسمح بولادة أيّ محور إقليمي على حسابها، كما لن تسمح بأن تنتهي الأزمة السورية لمصلحة طهران وتمدّدها الإقليمي، وبالتالي أيُّ حلٍّ يجب أن يأخذ في الاعتبار الدور السعودي في المنطقة.
وما بعد الضربة لن يكون كما قبلها، وهذا ليس كلاماً للاستهلاك، إنما يؤشر إلى رسالة أميركية حازمة إلى كل القوى المتدخّلة والمنخرطة في النزاع السوري أن لا حلَّ في سوريا بمعزل عن الإرادة الأميركية، وبالتالي على موسكو أن تجمّد كل مساعيها لفرض حلول على قياس تحالفاتها ومصالحها، وأنّ غضّ النظر الأميركي لا يعني في أيِّ حال من الأحوال التسليم بحلول وهندسات تؤثر على مجمل الوضع في المنطقة وتوازناته، خصوصاً أنّ الجغرافيا السورية محوَرية في أكثر من اتّجاه.