ارشيف من :آراء وتحليلات
كيان العدو يترقب الرد الايراني.. متى وأين وما حجمه؟
ما الذي هدفت إليه "إسرائيل" من وراء اعتدائها ضد الحرس الثوري في مطار T4، ولماذا في هذا التوقيت بالذات، ما العلاقة بين هذا الاعتداء وبين الهدف الاستراتيجي المعلن من قبل "تل ابيب": "منع تمركز ايران في سوريا"؟ بعبارة أخرى، كيف تريد تحقيق هذا الهدف من خلال هذا الاعتداء؟
قبل الحديث عن الهدف الرئيس من الاعتداء الذي شنه سلاح الجو الإسرائيلي ضد الحرس الثوري في سوريا، ينبغي التوضيح بأن قادة العدو يحاولون أن يضفوا على خيارهم العدواني العنوان الاستباقي. بمعنى الإيحاء، أن هناك تهديداً وشيكاً ضد ما يسمى "الأمن القومي الإسرائيلي"، دفع صناع القرار، اضطراراً، للجوء إلى هذا الخيار. ويهدف هذا التوصيف إلى انتزاع شرعية داخلية لهذا النهج كونه محفوفاً بالمخاطر واحتمال التدحرج نحو مواجهة عسكرية واسعة. ولذلك تستبق القيادة الإسرائيلية الحدث بالقول لجمهورها إنه لم يكن لديها خيار بديل، سوى الانتقال إلى الاستهداف المباشر رغم مخاطره. وبذلك، تصبح غير مسؤولة أمام الأثمان التي قد تدفعها.
في هذا الإطار، يتبنى كيان العدو مفهوماً للتهديد يتجاوز نوايا واستعداد الآخرين لمهاجمته، وانما يتسع نطاقه ويشمل منع الآخر من امتلاك القدرة في الدفاع عن نفسه. وهكذا يصبح تطوير قدراته الدفاعية والردعية، تهديدا للكيان يوجب عليه التحرك.
على خلفية هذا المفهوم، تطلق "إسرائيل" تهديداتها لمنع إعادة بناء القدرات العسكرية للجيش السوري، وتطوير قدراته الصاروخية والعسكرية. وتعلن مراراً بأنها ستمنع بكل الأساليب بناء قدرات في سوريا مشابهة لقدرات حزب الله في لبنان، تفادياً لتشكيل طوق خانق حول عنق "إسرائيل"، كما أوضح وزير الحرب الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، أو كما عبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، منع بناء قوس شمالي. وتلخص "إسرائيل" هدفها في الساحة السورية، بمنع التمركز الايراني في سوريا، ما يعني منع تشكل وبناء مقاومة رادعة في الساحة السورية.
في ضوء ما تقدم، لم يخفِ كيان العدو الاسرائيلي أن الهدف من اعتداءاتها، وتحديداً الاعتداء الأخير الذي أدى إلى سقوط عدد من الشهداء في صفوف الحرس الثوري، يأتي ضمن استراتيجيتها لاستهداف التمركز الايراني في سوريا. وهو ما سبق أن عبّر عنه رئيس أركان الجيش في كيان العدو غادي ايزنكوت خلال مقابلاته التي أجراها عشية عيد الفصح، بالقول أنّ "الوضع النهائي المرغوب فيه هو انسحاب جميع القوات الإيرانية ــ الشيعية من سوريا، بما في ذلك حزب الله والميليشيات"، وفق تعبيره. وأوضح ايضا أن "إسرائيل" لن توفر أية وسيلة تؤدي إلى إخراج أطراف محور المقاومة من الساحة السورية.
أما عن توقيت هذا الاعتداء، فهو مرتبط بسلسلة من المسارات والتطورات، بدءًا من استنفاذ الرهانات الإسرائيلية على خيارات سياسية عبر بوابتي واشنطن وموسكو، وعلى رسائل التهويل التي وجهتها في مناسبات متعددة. لكن عندما اكتشفت "تل أبيب" أن هذه الرهانات باءت بالفشل، وجد صانع القرار السياسي والامني في "تل أبيب" نفسه أمام منعطف حاسم، يفرض عليه التراجع أو المغامرة. وهكذا رجحت المؤسستان الأمنية والسياسية، الخيار الأخير.
أما عن العلاقة بين هذا الاعتداء والهدف الاستراتيجي المعلن: "منع تمركز ايران في سوريا"، فقد استندت المؤسسة الأمنية والسياسية إلى أن هذا الاعتداء هو استهداف عسكري ورسالة إلى الحرس الثوري، مفادها أن عليهم أن يرحلوا عن سوريا، وإلا فإنهم سيكونوا عرضة للاستهدافات التالية. وبما أن الموقف الطبيعي هو أن ايران لن تتراجع أمام العدو الإسرائيلي، يعني ذلك أننا قد نكون مقبلين على مرحلة من التوتر التي قد تتطور نحو مواجهة ما على الساحة السورية، تهدف إلى ارساء قواعد ومعادلات تحكم حركة الصراع.
نتيجة ذلك، تعالت الأصوات في "تل ابيب"، بعدما خلصت إلى أن ايران سترد على الاعتداء، وهو ما دفعهم إلى توجيه سلسلة تهديدات متوالية تستهدف النظام السوري ومجمل الوجود الايراني. وتعكس هذه التهديدات، أن تقديرات المؤسسة الامنية الإسرائيلية، أيقنت بأن الرد الايراني آت في كل الاحوال، ولكن يبقى السؤال متى وكيف وأين، وما حجمه؟