ارشيف من :نقاط على الحروف
العدوان الثلاثي من مصر الى سوريا.. مشهد يتكرر
عبير بسام
اليوم، يعيد القصف الأميركي الفرنسي البريطاني على سورية الذاكرة الى مشهد العدوان الثلاثي، الذي شنته كل من بريطانيا وفرنسا والعدو الاسرائيلي، على مصر في العام 1956. اذ يمكننا أن نقرأ في التاريخ درساً يعرّفنا أكثر عما يجري في حاضرنا، الذي تعيشه المنطقة العربية والشام، وذلك من خلال البحث في أسباب ونتائج العدوان الثلاثي على مصر وفي أسبابه ومحاولة استقراء نتائجه على دمشق اليوم.
السبب المباشر في العدوان الثلاثي على مصر، في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1956، جاء بسبب إعلان جمال عبد الناصر قرار تأميم قناة السويس في تموز/ يوليو من العام نفسه.
جاء قرار عبد الناصر بعد أن حبست بريطانيا عوائد القناة المالية عن دولة مصر. حينئذ قام الرئيس عبد الناصر بطرد الخبراء والعمال الأوروبيين العاملين في قناة السويس تحت الإدارة البريطانية. وأعلن تأميم القناة وإعادة ملكيتها للشعب والحكومة المصرية مما أثار غضب البريطانيين الذي كانوا يديرون القناة ويستفيدون من الأرباح التي تعود منها.
والسبب الثاني للعدوان، جاء بسبب غضب فرنسا من دعم جمال عبد الناصر للثورة الجزائرية ضد الفرنسيين، حيث كانت فرنسا تعتبر الجزائر أرضاً فرنسية.
وأما السبب الثالث فهو موافقة الإتحاد السوفييتي بيع مصر أسلحة متطورة ومتقدمة من أجل دعم الجيش المصري. في حين كان القرار البريطاني أنذاك، بحسب زعمها، بوجوب بقاء مصر بدون سلاح متطور لمصلحة تعزيز أمن المنطقة التي كانت تشهد صراعاً مع الكيان الاسرائيلي، التي كانت في طور نشأتها. ولا ننس أنه في تلك المرحلة كانت ما تزال معظم الدول العربية ترزخ تحت الإحتلال، بما فيها دول الخليج العربي، التي كانت محتلة من قبل البريطانيين.
وفي هذا الإطار جاء قرار جمال عبد الناصر تأميم القناة من أجل تسديد فاتورتين من أرباح القناة التي هي حق للشعب المصري وهاتين الفاتورتين هما دفع ثمن السلاح الذي اشترته مصر من الإتحاد السوفياتي وتشيكسلوفاكية أنذاك. وأما الفاتورة الثانية فهي تكاليف بناء السد العالي. فقد وافقت روسيا على بناء السد العالي بعد تراجع أميركا والبنك الدولي عن وعودهما بتمويل قروض لبناء السد. أي أن جمال عبد الناصر التقى مع السوفيات على بناء مصالح مشتركة، والتي تقتضي بدعم شعوب العالم الثالث من أجل بناء اقتصادها وتعزيز قوتها الدفاعية.
توقف العدوان على مصر بموجب قرار للأمم المتحدة تم التصويت عليه في الجمعية العامة في العام نفسه. غير أن هذا القرار وكما يقول أحمد عبد الوهاب في مقال له على "سبوتنيك نيوز"، والذي كشف به عن الموقف السوفياتي الرافض للعدوان والمطالبة بوقفه مهدداً " بسحق" كل من باريس ولندن، وأنه على "اسرائيل" التراجع عن احتلالها لقطاع غزة. حتى أن الزعيم الروسي "نيكيتا خرتشوف" عبر عن غضبه من العدوان بأن خلع حذائه وضرب به منصة المجلس مؤكداً على ثبات عزمه.
من دمشق هنا القاهرة.. وجول جمال
خلال العدوان الثلاثي على مصر، وقفت سوريا إلى جانب مصر بقوتها البحرية، وليست سراً العملية التي قام بها الشهيد جول جمال الذي نفذ عمليته الإستشهادية، عندما قاد طراده ليضرب به بارجة فرنسية كانت تقصف بور سعيد، فأعطبها. في مشهد يشبه التحام الدم ما بين المقاومة الإسلامية في لبنان وما بين الجيش العربي السوري. غير أنه كانت حصيلة العدوان 3000 شهيد و5000 جريح والعديد من الأسرى، وبينما قتل في العدوان الثلاثي 200 قتيل معظمهم من الصهاينة و1000 جريح. بينما التحام المواقف ما بين الحلفاء ودمشق حمى السوريين من نتائج كارثية في الأرواح والمنشآت.
الأصيل بدل الوكيل
واليوم في العدوان الثلاثي على سورية، والذي قادته أمريكا بالأصالة، بدلاً عن العدو الاسرائيلي بالنيابة، وبريطانيا وفرنسا، لم يتبدل المشهد كثيرأ. ففي وقت أنجزت فيه سوريا تحرير الغوطة الشرقية والتي كانت نيران مدافع الإرهابيين فيها تهدد أمن وسلامة العاصمة دمشق. لم تتغير الظروف المحيطة بهذا العدوان عن ظروف العدوان الثلاثي على مصر. غير أن الحذاء الروسي الذي ضرب به خرتشوف أنذاك وإن لم يخلعه بوتين فقد ضرب به بقوة حصرت نتائج العدوان في نطاق "فشة الخلق" وحفظ ماء الوجه لرئيس أمريكا دونالد ترامب. ومن الواضح أن العدوان الثلاثي كان في مواجهة مع قوة توازيها، إن لم تكن أكبر منها.
النقطة الثانية التي يتشابه بها العدوانان هو الدعم الشعبي العربي لسورية في وجه العدوان، والذي هو بمثابة حرب عالمية على أرض سوريا وإنجازاتها في مختلف المجالات الثقافية والعلمية والزراعية والصناعية، والتي تشبه الإنجازات التي كانت تسعى مصر إلى تحقيقها من خلال بناء السد العالي في أسوان. كما أنه جاء احتجاجاً على الدعم الروسي العسكري لسورية، هذا بالإضافة إلى القوة التسليحية التي دعمت بها سوريا قبل العدوان وبعد العدوان مباشرة اذ زودتها روسيا بأربعة مائة صاروخ س 1و2 بحسب بعض المصادر من أجل دعم منظومة سوريا الدفاعية.
أما النقطة التالثة، لم يكن العدوان على سورية منذ العام 2011 ودخول المجموعات الإرهابية لتعيث فساداً في سوريا والبلاد العربية، سوى محاولة من أجل حماية مصالح الكيان الصهيوني في المنطقة.
جاءت الضربة في وقت تنتفض فيه فلسطين كلها ضد صفقة تحاول من خلالها أمريكا أن تفرض فيها قواعد مستجدة لتحول حالة الأمر الراهن المتمثلة بالكيان الصهيوني إلى حالة أمر واقع كدولة يهودية عاصمتها القدس. واليوم سوريا يراد لها أن تدفع ثمن دعمها لقوى المقاومة والتحرر في لبنان وفلسطين، تماماً كما أملت فرنسا أن تجعل مصر جمال عبد الناصر تدفع ثمن مناصرتها ودعمها لثورة الجزائر.
النقطة الرابعة والتي تتعلق بطمع القوى الثلاث المعتدية والتي تعتبر أن لها الحق في المشاركة في تقاسم الأرباح في سورية، وذلك من خلال الإستثمارات في عملية بناءها، أو من خلال الإستثمار في منشآت النفط والغاز التي تطفو أرض سوريا فوقها. وبالتالي يلتقي العدوانان بالأهداف والتي تتعلق ليس فقط بالمصالح الإستراتيجية ولكن في المصالح الإقتصادية. خاصة وأن دول العدوان الثلاثي على مصر كانت تعاني من أزمات اقتصادية بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية، واليوم هذه الدول ذاتها تعاني من أزمات اقتصادية وفضائح رؤوسائها المالية والإنتخابية. لقد حاولت بريطانيا من خلال شن العدوان على مصر توجيه أنظار البريطانيين إلى أزمة حرب جديدة في وقت كانت تشهد فيه تحركات وثورات عمالية كانت تخشى بريطانيا امتدادها ووصول المد الشيوعي إليها. في حين اليوم يعاني دونالد ترامب من تحقيقات تطال نزاهة حملته الإنتخابية وتعاني فيه أمريكا من نكسة اقتصادية.
إن المظاهر التي تجلت بها دمشق خلال إطلاق صواريخ العدوان الثلاثي تشكل ظاهرة تدل على رباطة الجأش، والتي يشهد عليها وقوف المواطنين على النوافذ والشرفات تراقب صواريخ العدوان وهي تدمر قبل سقوطها، وذلك بحسب العديد من الشهادات الشخصية، التي قام بسردها العديد من السوريين. وآخرون خرجوا في الشوارع يرفعون الأعلام السورية والروسية والإيرانية وأعلام حزب الله، في وقت يتزامن مع إطلاق الصواريخ من قواعد أميريكية في الخليج العربي وبتمويل من بعض دوله.
خرج السوريون إلى ساحة الأمويين وساحة العباسيين وساحة الميدان، هذا بالإضافة إلى الخروج الداعم للجيش السوري والقيادة في مختلف المدن السورية. الخروج الذي ابتدأ منذ ساعة القصف قرابة الرابعة فجراً، حيث كان يترقب في البداية نتائج العدوان ويشكل تضامناً ما بين المواطنين مع بعضهم البعض، وتضامناً مع سكان القصر الرئاسي "الرئيس بشار الأسد وعائلته، في المالكي وآمرية الطيران، أهم مركز عسكري في منطقة أبو رمانة، شوارع تلتقي جميعها في ساحة الأمويين، الساحة الرمز!