ارشيف من :نقاط على الحروف
الاجتماع اللبناني وبؤس النخب!!
ليس كل التغيير تطور، كما أن ليس كل الحركة إلى الأمام. ـ (الين غلاسغو)
برزت عبارة " قوى المجتمع المدني" عنواناً لعدة لوائح ترشيح في هذا (المهرجان) الانتخابي الصاخب الذي يشهده لبنان، ذلك من باب التمايز عن جماعة النادي السياسي الذي الفناه. اللافت في الظاهرة أنها تأتي في ظل سخط عام على الطبقة السياسية الحاكمة والتي أوصلت البلد إلى هذا الدرك، وحيث بات لبنان معها "دولةً فاشلة". كنا في مقالنا السابق تاريخ 12-4-2018 قد انتهينا لطرح السؤال: هل يمكن "لقوى المجتمع المدني" - او بعضهم يسميها "القوى الحية" - ، أن تكون قوة إنقاذية للبلد، أو في أضعف الإيمان ان تكسر النمطية التقليدية التي طبعت الحياة السياسية البنانية.
مدني ام أهلي !
لكن ماذا تعني عبارة "مجتمع مدني"، هذا ضروري كي لا نخطئ في رسم خارطة القوى محملين الأمور أكثر مما تتحمل . بالتأكيد لسنا هنا في وارد الغوص في التعريفات الأكاديمية للعبارة على اختلافها؛ نتوقف عند الجوهر وهو أن المجتمعات المدنية هي مجتمعات ما بعد الدولة، أي نتاج جدلية التطور بكل عناصره الأقتصادية والثقافية والأنتاجية؛ وباختصار، فإن هذه المجتمعات اشبه بهرم قاعدته التشكيلات الأجتماعية على انواعها: السياسية والنقابية والمهنية والخيرية والثقافية وغيرها ممن يتفق فيها عدد من الناس على القيام بعمل، أو نشاط طوعي للصالح العام، بعيداً عن الارتباطات التقليدية العامة، ومستقلة عن سلطة الدولة؛ رأسه هي مجموعة النخب القيادية لهذه التشكيلات، فيما جذعه هي النخب الثقافية والفكرية على تنوعاتها. لكن البعض مازال يخلط بين مفهومين "مدني"، و"أهلي"، والفرق كبير بينهما، فالمجتمع الأهلي يتسم بميزات المجتمعات التقليدية لما قبل الدولة من عائلية وعشائرية وقبلية ومذهبية. واظن هذا هو حال مجتمعاتنا العربية وإن تفاوتت درجاتها بين قطر وأخر. بناء على ما سبق فإن عبارة "مجتمع مدني" بحسب محددات علم الأجتماع لا يمكن تعميمها على هذا (الأجتماع اللبناني). وللأنصاف فإن لبنان كان قبل الحرب الأهلية يتلمس الطريق لبناء مجتمع مدني، وبعض تشكيلاته صمدت وقد وجدناها في عز الحرب تتظاهر عند "خطوط التماس" رافضة التقسيم الذي تعارفوا عليه ائنذاك بـ "شرقية وغربية"، مطالبة الأطراف بالقاء السلاح ،هذا للحقيقة. غير ان الحرب المذّكورة كانت طاحونةً كبرى ،طبعت جيلاً لبنانيا بطابعها فيما خلفت ردة أجتماعية وثقافية ، ختمتها "وثيقة الطائف لتعرقل السير نحو مجتمع مدني تحكمه فكرة المواطنه ، وبذا ظل (الأجتماع اللبناني) عالقاً بين المنزلتين الأهلي والمدني، فيما جرت مصادرة البنى التحتية للمجتمع المدني من نقابات واتحادات لتغدو مواقع نفوذ لقوى الأقطاع السياسي الميليشياوي ،أو قوى الأقطاع المالي المتحكمة فعلياً بالسلطة.
النخبة
لقد ساهمت الطبقة السياسة في يباس مفاصل (الاجتماع اللبناني) حائلةً دون صعوده لمرتبة أعلى، وساهم خطابها السياسي في إيجاد مناخات من عدم الثقة فيما بين اللبنانين ، لكن الفظ وغير المسبوق هو خطابها الأنتخابي الذي يوازي حرب أهلية ولكن من غير أسلحة نارية .
ومن تميع الحقيقة القول بأنه خطاب موسمي عابر ثم بعده لايلبث الجميع حتي يعودوا إلى توازنهم !! . إن هذا كمن يساكن بين الغابة وكتلة الجمر تحت الرماد بين اشجارها , مراهناً على محاصرتها كيما لا تحرق الغابة بشرارة منها!! ، هذا فيما البيئة الأقليمية تعتريها الرياح.. هنا ينطرح السؤال : ماذا فعلت النخب السياسية اللبنانية في استقطاب وتجميع كتلة شعبية مقابل هذه السلطة الطائفية المستهترة والمتخلية عن دورها في صناعة الحاضر ، بل والسارقة للمستقبل بتكبيله بديون وملفات حتى سيكتب كل لبناني على شاهدة قبره قول المعري الشهير: " هذا ما جناه ابي عليَّ ،وما جنيتُ على أحد". والجواب أن هذه اللنخب قد افسدتها (الأنا)، وقد اثبتوا عند المحك بانهم مصابون بنرجسية متزايدة . بعضهم لم يقرأ قول جون سي. ماكسويل "للافكار تاريخ صلاحية قصيرة، لذا عليك أن تتصرف بسرعة وتستغل الفكرة قبل ان تنتهي صلاحيتها " فكيف وهي قد فسدت على أيديهم خلال فترة صلاحيتها في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي !! ،. لعل الحكمة كانت تستدعي من المتقدمين او المتقادمين عدم سجن الحاضر بتجاربهم، والأستئثار به، وعلى رأس هؤلاء امناء عامين وقادة احزاب وحركات يسارية وقومية صادروا الساحات. ما حال دون ملاقاتهم الصاعد من الأجيال، فكان نصيبهم العزلة عن جيل الشباب الأمر الذي فاقم من بؤس الأحزاب المذكورة، وعندما حاولت القوى الشابة ان تتفلت من هذا الأسر باحثةً عن افق جديد لم تلاقيها من خارج الأحزاب النخب المستقلة تتلقفها بتواضع ، بل سعت هذه الأخيرة لمصادرتها باحثة عن مشروع زعامة جديدة على اكتاف هؤلاء الشباب الخارج من رحم الأحزاب في الغالب ،حتى يمكن أن نطلق عليهم " جيل ما بعد الأحزاب "!.
خرجت القوى الشابة إلى الفراغ، مجرد قوى احتجاجية رافضة للواقع وحسب، ولكن من غير زاد في الخبره أو الرؤية، وقد تجلى ذلك خلال حركة الشارع احتجاجا على تعاطي الدولة مع مشكلة "الزبالة" صيف 2015 ؛ يومها اجتمع (لوجهاء) ! المجتمع المدني جموع غير مسبوقة في التاريخ اللبناني، كان يمكن ان تتحول إلى ما يشبة ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 في مصر. لكن (الوجهاء) وقد انتقل إليهم داء "النرجسية" !؛ انقسموا في التفاصيل فشغلتهم (الوجاهة)! حتى تشتت ريحهم، كأن ازدحام الشوارع بالنفايات وروائحها غير كافٍ للتوحيد الرؤية ، والكف عن لعبة تصدر المشهد الطفولية! ؛ بعضهم ذهب إلى وزارة البيئة محتجاً مقتحماً وهي التي ليس لها ناقة ولا جمل في الأزمة . لماذا ؟! .. ربما استضعافاً لوزيرها!، وأخرون اشتبكوا مع الفقراء من عمال "سوكلين" !!، وأخرين انتقاماً من البرجوازية صادروا شارعاً في (الداون تاون) استحدثوا عليه "سوق ابو رخوصة"!!!. هذا كله اشبه بمن لا يقدر على الحمار فيشفي غليله في البردعة !!! ، في حين يستطيعون تحقيق الأكثر والأعمق.
ما سبق لايعني أن الأفق مغلق ، ولكن ليس قبل أن يتمثل المعنين قول جورج برنارد شو " التقدم مستحيل بدون تغيير، واولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون تغيير أي شيء ". هذه برسم (وجهاء) "المجتمع المدني"، المستجدين او المتقادمين !!.