ارشيف من :أخبار لبنانية
خطاب حزب الله لاستنهاض لبنان × خطابات الفتنة والطائفية
ترتفع في هذه المرحلة الدقيقة من عمر لبنان وتيرة الخطابات الانتخابية، وترتدي بمعظمها الطابع الشعبوي لدى غالبية الأحزاب والشخصيات والتيارات والجمعيات التي أفرزها النظام الانتخابي الجديد، ولكن ما يجدر التوقف عنده هو الأدبيات السياسية والشعارات والمصطلحات والأوصاف التي يطلقها البعض من هؤلاء المرشحين، والتي تبتعد كل البعد عن الخطاب الموضوعي الذي من المفترض أن يكون قائماً على أسس وطنية جامعة تأخذ بعين الاعتبار الطابع التنافسي، دون الانحدار نحو الخطاب الفتنوي والطائفي، الذي يتخذ من المنابر فرصة لإطلاق الشتائم والعبارات النابية التي تنمّ عن انحطاط في مستوى الخطاب.
أطلقت هيئة الإشراف على الانتخابات منذ الاعلان عن تأسيسها مجموعة من القواعد والسياسات الحاكمة التي تضبط الأداء الانتخابي وليس فقط الخطاب الإعلامي والإعلاني، وهذه مهمة جديدة أنيطت بالهيئة في الموسم الانتخابي الحالي، ولكن يبدو من خلال رصد أداء الجهات، التي طالما أعلنت جانب الخصومة مع محور المقاومة، أنها تمعن في خرق الشروط التي وضعتها الهيئة، سواء على مستوى الخطاب أم على مستوى الأداء العام، لا سيما أولئك الذين لا يزالون في موقع السلطة والحكم، وهناك الكثير من الشواهد على هذه الخروقات، مما يفقدهم صفة الحياد والموضوعية التي يجب أن يمتازوا بها، فضلاً عن غياب التكافؤ في الأدوات والوسائل، حيث سخّروا مؤسسات الدولة وموظفيها وأجهزتها في خدمة حملاتهم الانتخابية.
الحريري: على حساب الدولة
لا يخفي رئيس الحكومة سعد الحريري استخدامه آليات الدولة ومروحيات الجيش اللبناني في تنقلّاته إلى المناطق المختلفة من شمال لبنان إلى جنوبه، بل يجاهر بذلك في تحدٍّ غير بريء لكل الضوابط المفروضة والتي تنص عليها المادة 77 التي تنص على أنه من المحظور استخدام مؤسسات الدولة في أي نشاط انتخابي، وهذا الأمر لا يبتعد عنه وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يستغل الموقع الالكتروني لوزارة الداخلية لينشر ويروّج لأنشطته التي لا تتعلق بعمله كوزير، بل تتعلق بكل مباشر بأنشطته ولقاءاته وجولاته في الأماكن المختلفة ومواقفه الانتخابية، وهذا الأمر ليس مجانياً بل يكلف خزينة الدولة أيضاً من الأموال والمصاريف.
خطاب الانعزال والفتنة
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتصل بما هو أخطر، فكان الملفت تصاعد المواقف السياسية التي تضجّ بتعابير ومصطلحات الخطاب التحريضي بشكل مباشر، فضلا عن التهجم الشخصي وإذكاء النعرات الطائفية، وكل ذلك بنزعة استعلائية انعزالية، فالحريري نفسه الذي يفترض أن يكون رئيس حكومة تشرف على الانتخابات وتحرص على نزاهتها ويأخذ فيها دور الطرف الجامع للأطياف اللبنانية، نجده يتزعّم سياسة إطلاق التعابير العدائية والمواقف الطائفية، فلم يغفل الحريري اللعب على الوتر الفتنوي حين اعتبر أن "خوض الانتخابات هو ضد حزب الله وأن 7 أيار حاضر في الأذهان.."، وفي هذا الأمر حرص على الخطاب المناطقي ومصادرة مباشرة لآراء الناس وانتماءاتها الحرّة، وكأن بيروت أصبحت منطقة مسلوخة عن النسيج اللبناني، ومقاطعة مقفلة الحدود والمسافات، أو أنها تتعرّض لغزو خارجي مستنفراً أهلها للدفاع عنها في مواجهة الغرباء، في حين أنها عاصمة الوطن ونسخة مصّغرة عن لبنان بتنوّعها الطائفي واحتضانها المناطقي، وهنا ترتسم التساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء زيارة السفير الإماراتي والقائم بالأعمال السعودي لمدينة بعلبك دعماً لأحد مرشحي "المستقبل"؟ وكذلك عن خلفيات افتتاح شارع باسم ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز؟ أليس هذا الأمر تدخلاً في مجريات العمليات الانتخابية وتجييشاً مباشراً للناس؟
"هاشتاغ" أطلق عبر مواقع التواصل بعد كلمة المشنوق الشهيرة "الأوباش"
خطاب الحرب
خطاب الحريري شجع آخرين كالوزير المشنوق الذي تحدّث بلغة "الأوباش" في تصنيف من هو معه ومن هو ضده في المنافسة الانتخابية، وكأنها معركة إلغاء للآخر في حين أنه المسؤول الأول والمباشر عن مراقبة الخطاب الإعلامي والأداء الانتخابي، والحريص على عدم انزلاق الأمور نحو مواجهة سلبية قد تترك آثارها لما بعد الانتخابات. ويندرج في هذا الإطار أيضاً خطاب رئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع الذي استخدم الموسم الانتخابي للترويج لنفسه كمرشح لرئاسة الجمهورية، ما جعل العديد من النقّاد يهزأون من هذا الفعل لأنه ينم عن سعار داخلي يختزنه الرجل تلهّفاً للوصول إلى منصب يحلم به منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، وكان ينقص لجعجع أن يعيد إحياء رمز "الصليب المشطوب" الذي يستعيد ذكرى أياماً أليمة من تاريخ الحرب والمجازر التي ارتكبتها ميليشياته بحق اللبنانيين وغير اللبنانيين.
إن هذا الخطاب يستحضر واقع الحرب الأهلية ويضرب كل مقوّمات الوحدة الداخلية، وهذا خرق صريح للمادة 74 من شروط الهيئة والتي تنص على: "الامتناع عن بث كل ما يتضمن إثارة للنعرات الطائفية أو المذهبية او العرقية"، و"الامتناع عن بث كل ما من شأنه أن يشكّل وسيلة من وسائل الضغط أو التخويف".
خطاب الشراكة
في المقابل، اتخذ حزب الله شعار "نحمي ونبني" والتزم مع حركة "أمل" خطاباً متوازناً لا يحمل في طياته بذور تحدي الطرف الآخر، دون أن نغفل أن حزب الله كان عرّاب القانون الانتخابي الجديد، بحيث يؤمن التمثيل الحقيقي والعادل والصحيح للمكوّنات السياسية الاجتماعية اللبنانية، ومن باب الحرص على تمثيل أكبر قدر ممكن من الأطياف السياسية اللبنانية في مجلس النواب، وفتح المجال أمام العديد من الأطراف التي تحمل مشروعاً سياسياً إنمائياً للبلاد من أن يكون لديه فرصة في التعبير عن نفسه من خلال الندوة النيابية وعملها التشريعي، آخذاً بعين الاعتبار واقع لبنان المثقل بالبطالة والفساد والهدر وسرقة المال العام، فكان الخطاب الأساسي دعوة لتكون الانتخابات النيابية الحالية فرصة لتشكيل مكوّن تشريعي – تنفيذي يضع محاربة الفساد واستنهاض الدولة عنواناً لبرنامج عمله في السنوات الأربعة المقبلة.
اختلاف وليس خلافا
وعلى الرغم من الأصوات التي تعمل على تحوير وتمييع القرار السيادي للبنان تحت عنوان نزع السلاح والمقصود فيه سلاح المقاومة إلا أن حزب الله لم يجعل من هذا الأمر مانعاً من الالتقاء مع معظم الأطراف، ولا سيما في العمل الحكومي إيماناً منه بأن لا سبيل لحل المشاكل الداخلية في لبنان إلا من خلال استيعاب وامتصاص المواقف السلبية، وبالتالي يؤكد حزب الله أن ليس بإمكان أحد في لبنان أن يفرض صيغة معيّنة على أحد، فتركيبة لبنان وطبيعته الطائفية وتنوّعه السياسي والفكري تفرض تفاهم الأفرقاء جميعاً على الأمور المفصلية في الدولة، مع احتفاظ كل طرف بقناعاته الخاصة وممارستها، ولكن دون أن يصل هذا الاختلاف إلى خلاف داخلي، على أن يكون القانون هو الذي يفصل في الأمور الخلافية، ومجلس النواب أحد أهم المراكز القانونية التي تسهم في بناء هوية وشخصية البلد.