ارشيف من :آراء وتحليلات
كيف تناور واشنطن في ملف سحب وحداتها من سوريا؟
لا شك أن موضوع الانسحاب المرتقب للوحدات الاميركية من سوريا، والذي تطرق إليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الفترة الأخيرة بالقول إنه قريب جداً، وما رافق ذلك من اعتراضات وتحفظات لحلفاء واشنطن، والذين يعتمدون بالكامل في مواقفهم وسياساتهم أو في مواقعهم على الوجود العسكري الاميركي في الشرق والشمال الشرقي السوري، أو ما تلا ذلك من تطورات عسكرية مهمة تمثلت بالاعتداء الثلاثي (الاميركي – البريطاني – الفرنسي) على سوريا، سيكون مدار بحث ومتابعة جدية من أغلب الأطراف المعنية بذلك.
لاحقاً، وفي متابعة للموضوع، قالت السفيرة الأميركية في الامم المتحدة نيكي هايلي إن بلادها لن تسحب قواتها من سوريا إلا بعد أن تحقق أهدافها، وقد حددت في مقابلتها الأخيرة مع "فوكس نيوز" هذه الأهداف بالتالي:
- ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيماوية بأي شكل يمكن أن يعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر.
- هزيمة تنظيم "داعش".
- ضمان وجود نقطة مراقبة جيدة لمتابعة ما تقوم به إيران.
في دراسة لهذه الأهداف، وتحليل معطياتها يمكن استنتاج ما يلي:
- لناحية ضمان عدم استخدام الأسلحة الكيماوية بأي شكل يمكن أن يعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر، ستبقى لديها القدرة على فبركة واستغلال الموضوع الكيماوي، بوجود وحداتها داخل سوريا او بعدم ذلك، وقدرتها في ذلك معروفة في العراق حيث لم تكن موجودة، وفي أماكن.
- لناحية هزيمة تنظيم "داعش"، لا يوجد ما يمنعها من إكمال مهاجمة ما تبقى من عناصر "داعش" في شرق الفرات وعلى الحدود مع العراق حيث يمتد نفوذها، وهي تُبقي على تلك العناصر الارهابية وترعاها لتبرير بقائها في الشرق السوري، في الوقت الذي لم تسجل اية عملية عسكرية أو أي استهداف جوي لتلك المجموعات منذ أوائل نوفمبر تشرين الثاني عام 2017، تاريخ تحرير البوكمال من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه، لذلك تستطيع دائما اعتبار أن هذا الشرط لم يتحقق طالما أنها تتحكم بتأخير استكمال هزيمة "داعش".
- لناحية ضمان وجود نقطة مراقبة جيدة لمتابعة ما تقوم به إيران، يمكن اعتبار هذا الشرط أو هذا الهدف مفتاحا لدعم وتغطية دخول وحدات اقليمية عربية الى الشرق السور ، تؤمن من خلال هذا الدخول العسكري الاقليمي منع الجيش العربي السوري من تحريره تلك المواقع، وتؤسس لتكوين نقاط ارتكاز صالحة لتقسيم وتفتيت سوريا كما هو مخططها بالأساس، ومعها الدول الاقليمية المعروفة، بالاضافة طبعا لاعاقة وعرقلة اكتمال الترابط الاستراتيجي لدول محور المقاومة.
من ناحية اخرى ، إذا اعتبرنا أن الوجود العسكري الأميركي في سوريا هو وجود متواضع لناحية القدرات، مقارنة مع الدور الكبير الذي تضطلع به تلك القوات وقدرة تاثيرها في الميدان السوري، وحيث ان العدد الاقصى لهذه الوحدات لا يتجاوز الـ 2000 عنصر ، والموزعين بين مستشارين، مراقبين ومنسقي العمليات الجوية، ضباط ارتباط واتصالات ومنفذي الخدمات اللوجستية، يمكن القول ان اساس هذه القدرة على التأثير ترتكز على الامكانيات العسكرية الاميركية المتواجدة خارج سوريا، في دول الخليج والمتوسط والاحمر وتركيا، والتي كانت من خلالها تنفذ عملياتها الجوية الحساسة عبر القاذفات والصواريخ الاستراتيجية.
بالتالي، لن تتغير قدرة الولايات المتحدة الأميركية في الاعتداء وفي التأثير أو في تنفيذ الأهداف في الميدان السوري فيما لو سحبت تلك القوة المتواضعة من سوريا، بالاضافة طبعاً لاعتمادها أيضا على ديبلوماسيتها القوية وهيمنتها وتسلطها على الكثير من الدول الاقليمية والغربية.
من هنا، ومن خلال إفراغ هذه الأهداف التي ذكرتها هايلي من مضمونها كما شرحنا، واعتبارها دون أي معنى عملي لانه يمكن تجاوزها أو القفز فوقها عبر مناورات الولايات المتحدة المعروفة، بالاضافة طبعا لعدم وجود أي معنى عملي لسحب وحداتها من سوريا، في ظل استبدالها بوحدات خارجية مدعومة جويا ولوجستيا وامنيا من قبلها، لن يكون هناك جدوى أو فارق في سحب الوحدات الاميركية من سوريا دون أن تحل مكانها مباشرة الوحدات الشرعية السورية.