ارشيف من :أخبار لبنانية
الرواية الأميركية لخطف الحريري: أُجبر على قراءة عقوبة سجنه للملأ
ترتفع في لبنان حدّة الخطابات، ويتصاعد اللعب على أوتار العصبيات لحشد أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات النيابية، سيّما من قبل تيار "المستقبل" الذي يبدو "مأزوماً"، من خلال خطاباته المتوتّرة. أكثر ما يركّز عليه "المستقبل" من خلال خطابه الانتخابي هو شعارات من قبيل "الحفاظ على لبنان ذي الوجه العربي"، و"نخوض معارك استعادة هوية بيروت".. شعارات تناقض في مضمونها العلاقة المريبة لزعيم "المستقبل"، مع "الأعراب" في السعودية، تماماً كما تناقض مصلحة لبنان التي لطالما عرّضتها السعودية للاهتزاز.
ذاكرة اللبنانيين التي سرعان ما تضعف أمام الخطابات العصبية والشعارات الرنانة، لا بد لها من استفاقة ما عند الحديث عن لبنان وحريته وسيادته، ووجهه العربي. فما المقصود بالحديث عن "الوجه العربي"، هل يتمثّل هذا "الوجه" من خلال حسن ضيافة "آل سعود" لرئيس حكومة لبنان واحتجازه، وإجباره على تقديم استقالته في إطار مشروع يخطط للفتنة في لبنان؟ البحصة التي حاول سعد الحريري "بلعها"، يبدو أن أفرقاء آخرين "يبقوّنها" واحداً تلو الآخر. وبعد ما تم كشفه تباعاً من تآمر من بعض "حلفاء" الحريري عليه وتقديم "الوشاية" عليه أمام ولي العهد السعودي الطائش محمد بن سلمان، يعلن الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية الأميركي روبر مالي خلال تقديم افادته حول لبنان في جلسة استماع أمام اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية للشرق الأدنى ـ التابعة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي ـ بتاريخ 21 آذار/ مارس 2018، حقيقة ما جرى مع الحريري في السعودية.
يقول مالي "لا توجد حكومة، ناهيك عن حكومة مستدامة دون مشاركة ودعم حزب الله"، ويتابع "السؤال الموجه لهذه اللجنة الفرعية وللولايات المتحدة على نطاق أوسع، هو ما يجب فعله حيال هذا الواقع البائس. هذا هو السؤال الذي طرحه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان (MBS) في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي". وهنا يروي مالي وجهة نظر بن سلمان قائلاً "في نظره، وكما أخبرني هو ومسؤولون سعوديون آخرون، لأن الحريري يرأس حكومة تضمنت حزب الله، كان ذلك يعني السماح لأحد أقرب حلفاء الرياض بالتعاون مع شريك طهران الأكثر ولاءً، وبالتالي تمكين ودعم كل من إيران وحزب الله يشكل غير مباشر ـ نظرا إلى الأشكال المختلفة من المساعدات الاقتصادية السعودية، بدءا من توظيف العمال اللبنانيين وصولا إلى ودائعها في البنوك اللبنانية، إلى استيراد المنتجات اللبنانية".
الحقيقة لما جرى للحريري في الرياض تأتي على لسان المسؤول الأميركي على الشكل التالي "رأى ولي العهد هذا الأمر على أنه ترتيب غير عقلاني ويأتي بنتائج عكسية؛ وقبل يومين من التقائي غير المرتب بالحريري في بيروت، قام باحتجازه ضد إرادته في الرياض وجعله يعلن استقالته".
بحسب مالي، فإن الحريري "أدلى بالبيان من الرياض وأخبر الكثير عن القصة؛ أي أنه قرأ البيان بصدق رجل أُجبر على قراءة عقوبة سجنه للملأ. لقد أعلن رئيس الوزراء اللبناني القرار الذي تم إصداره في المملكة العربية السعودية. وفي الوقت الذي ينكر فيه المسؤولون السعوديون هذا الأمر ويقولون إن استقالة الحريري كانت طوعية بالكامل، إلا أن القليل ـ في لبنان، أو في المنطقة، أو في أوروبا، أو في الإدارة الأميركية ـ يأخذون هذا الإنكار في ظاهره".
ويعيد مالي "فشل المناورة إلى حد كبير لأن اللبنانيين ـ سواء كانوا من السُّنة أو المسيحيين أو الشيعة، وسواء كانوا يؤيدون حزب الله أو يعارضونه ـ استاءوا من مثل هذا التدخل الأجنبي المدقع وخافوا من الأثر المزعزع للاستقرار الذي يسببه لتعطيل نظامهم السياسي. وفشلت أيضاً، لأن معظم اللبنانيين يفهمون أن إبقاء حزب الله داخل الحكومة، من الآن على الأقل، هو ضامن سلام أفضل من إجباره على الخروج"، ليختم "بالفعل، فإن جدول أعمال حزب الله اليوم، إلى حد كبير، هو الحفاظ على الاستقرار الداخلي".
لم يعد ينفع الحريري وفريقه السياسي التخفي وراء شعارات كبيرة في المظهر وفارغة في المحتوى، خصوصاً بعدما أصبحت فِعلة السعودية ومغامرتها باستقرار لبنان، واحتجاز رئيس حكومته، حقيقة ثابتة لن يغيرها نفي أو تغافل.