ارشيف من :آراء وتحليلات

متى تنضم الجيوش العربية للمقاومة؟

متى تنضم الجيوش العربية للمقاومة؟

مرة أخرى نرى أننا بحاجة لضبط المصطلحات ومراقبة التوصيفات، لسببين رئيسيين:

الأول: أننا في أزمة حقيقية كأمة أصبحت بمثابة رجل العالم المريض والذي تسعى أطراف استعمارية مختلفة لوراثة ممتلكاته.
والثاني: إقامة الحجة على الشعوب والتي تشوشت مفاهيمها بدعايات سوداء جعلتها في أفضل الأحوال تجنح نحو الصمت والسلبية واللامبالاة.

وعلامات مرض الأمة متنوعة وتشمل الأمراض العضوية والنفسية والعقلية، وهو ما يعطي فرصة للاستعمار للحجر على تصرفاتها إن لم يكن السيطرة الكاملة على ارادتها ومصادرتها.

كما أن الشعوب يمكن أن تستفيق من سلبيتها ولكن يمكن أن تنخرط في مسار خاطئ بفعل فساد التوصيفات وخطأ تشخيص الأمراض.
تتنافس أطراف مختلفة لفرض مفاهيم جديدة، وهي أطراف استعمارية من جهة، وأطراف داخلية من الجهة الأخرى.

ولعل هناك تقاطعات بين الاستعمار وأعوان الاستعمار وذيوله في المفاهيم المراد تصديرها، وهناك مفاهيم أخرى لأطراف داخلية تغلب مصالحها الذاتية والسياسية على المصلحة العامة وعلى جوهر الحقائق فتسهم بإفساد المفاهيم.

ويمكن رصد تقاطعات المفاهيم الاستعمارية مع أعوان الداخل في بعض الأمثلة كما يلي:

- مفهوم يتعلق بعبثية المقاومة وأنها مجرد تناطح للصخر، وهو مفهوم يخدم الاستعمار بصناعة فريسة مهزومة وسلسة ويخدم الأعوان والعملاء بإضفاء شرعية على عمالتهم وكأنها أنظمة عملية لا عميلة!

- مفهوم آخر يتعلق بالسياسة وتعريفها، باتباع مفهوم واحد من عدة مفاهيم وتعريفات للسياسة، وهو المفهوم الميكافيللي ومفهوم المصلحة الآنية بصرف النظر عن التبعات.

- ومفهوم يتعلق بالاقتصاد، باتباع نهج الاقتصاد الحر وبصورته النيوليبرالية، وهو ما يكفل الارتهان لمؤسسات النقد الدولية.

وبخصوص المفاهيم التي تصدرها أطراف داخلية لخدمة مصالحها السياسية الذاتية على حساب جوهر الحقائق، يمكن رصد ما يلي:

- تشويه تاريخ المقاومة والتحرر الوطني باعتباره سلوكاً متطرفاً يتنافى مع الرصانة والتعقل والواقعية والذي مرادفه لدى هذه الأطراف هو المهادنة!

- توصيف أزمة الأمة وفقا لمقتضيات السياسة، فبينما ترجعه بعض الأنظمة لتطرف المعارضة واختراقها، ترجعه بعض المعارضات لاستبداد الأنظمة أو لطبيعة "حكم العسكر"، وكلاهما قد لا يخلو من وجاهة وفي نفس الوقت لا يخلو من مغالطات.

إن التوصيف الخاطئ للأزمة هو ما يستدعي المزيد من التأمل والمزيد من المواجهة، حيث من المرجح أن يحدد هذا التوصيف، المسار القادم للشعوب عقب استفاقة حتمية وغضب إجباري.

فالمقاومة ومشروعها والأحداث على الأرض، كفيلة برد المزاعم وتصحيح الصورة، ويساعدها على ذلك فجاجة الاستعمار وأعوانه ولجوئهم لحيل مكشوفة ومفضوحة عقب الهزة الشديدة التي انتابت مشروعهم وأفقدتهم صوابهم. أما التوصيفات الداخلية والتي تترتب عليها مسارات مستقبلية فهي بحاجة إلى مزيد من التدقيق.

إن أزمتنا الداخلية حاليا تتمثل في خفوت صوت المعارضات الوطنية، وارتفاع أصوات أنظمة بعضها ضعيف وبعضها عميل، ومعارضات بعضها مرتزق وبعضها يصارع على السلطة ولا شئ غيرها. وبتجرد ودون مسميات، فإن هناك أنظمة عسكرية وأنظمة مدنية تقع في معسكر مواجه ومتناقض لأنظمة عسكرية ومدنية أخرى، في الوقت الذي تعلو به أصوات لتوصيفات الأزمة انطلاقا من التصنيف على أساس مدني وعسكري. كما توجد حركات دينية في معسكر مواجه لحركات دينية أخرى، في الوقت الذي تعلو به أصوات لتوصيفات للأزمة على أساس وضع جميع الحركات في سلة واحدة.

وغياب المرجعية الفكرية والأخلاقية والقيمية هو السر في هذا الاشتباك وهذا التشويش، وهو مقصود لتمزيق وحدة الجماهير العربية والإسلامية. وهذه المرجعية المتعلقة بالتحرر الوطني والمقاومة والوحدة تم إهمالها على رفوف الأمة وخزاناتها القديمة باعتبارها مفاهيم بالية تجاوزها العصر وتجاوزتها توازناته الجديدة.

إن توصيف الأزمة باعتبارها استبداداً لنظم عسكرية هو توصيف به مغالطات، لأن نظماً عسكرية قادت ذات يوم مقاومة الأمة وتحررها الوطني والعلة في التوجه لا في طبيعة النظام. كما أن تعميم التطرف على الحركات الدينية والخلط بين حركات تستلهم جوهر الدين المقاوم وحركات ترفع الدين ستارا للوصول للسلطة أو تتبنى نهجا مزيفا ومشوها للدين، هو أيضا مغالطة يتبناها البعض كفكر وتتبناها الأنظمة كنوع من التكتيك للانفراد بالسلطة، والعلة في التوجه والمنهج لا في طبيعة الحركة.

إن الديمقراطية الأمريكية التي هي قبلة للنيوليبراليين العرب وبعض منظمات المجتمع المدني جاءت بـ 33 رئيسا عسكريا من أصل 45 رئيسا حتى الآن. وهيكل دول الديمقراطيات الأوربية مؤسسة على قادة عسكريين من أمثال شارل دي جول وتشرشل.

وهناك ديكتاتوريات مدنية دمرت دولها عبر العمالة لأمريكا من أمثال باشيكو أريكو فى أوروجواى وسيموزا فى نيكاراجوا ناهيك عن النظم الملكية وممارساتها تجاه شعوبها وجيرانها.

إن الفرز على قاعدة المقاومة هو الخيار الأسلم لهذه الأمة المنتهكة والتي يراد لها الوقوع تحت الحماية الاستعمارية بانتزاع مكامن قوتها الممثلة في الجيوش الوطنية وحركات المقاومة المسلحة، لتصبح دولا على غرار موناكو واتفاقها المبرم مع فرنسا منذ أكثر من 300 عام للدفاع عنها، وكجزر مارشال وميكرونيزيا وبالاو التي لا تملك أي رأي في الدفاع عن بلادها ولا تملك إلا التبعية في القرار السياسي، ولنلاحظ أنهم من الدول التي أيدت قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس خلافا للإجماع العالمي.

هذا هو المراد لأمتنا وشعوبها، وهذا تأكيد آخر لحتمية خيار المقاومة واستفاقة الجيوش الوطنية المستهدفة وانضمامها لحركات المقاومة في معسكر واحد يليق بهذا الاستهداف.

 

2018-04-23