ارشيف من :آراء وتحليلات

الحملة الغربية على البرازيل لاسقاطها من مجموعة ’بريكس’

الحملة الغربية على البرازيل لاسقاطها من مجموعة ’بريكس’

تعتبر البرازيل أكبر بلد في أميركا اللاتينية من حيث المساحة وعدد السكان (اكثر من 200 مليون نسمة)، كما من حيث حجم الاقتصاد الكبير، اذ انها بلد غني بموارده الطبيعية، ويمتلك قطاعات صناعية وزراعية وسياحية واسعة النطاق. الا أنه بسبب النظام الرأسمالي الكومبرادوري المرتبط بالرأسمال الاحتكاري العالمي، من جهة، والفساد الشامل في أجهزة الدولة وحكم العسكر مدة عقود منذ الستينات، أديا الى افقار الشريحة الاكبر من السكان والقاء عشرات الملايين في براثن الفقر المدقع والجوع والمخدرات والجريمة.

لكن النضالات المتواصلة للجماهير الشعبية والعمالية والطلابية أدت الى ازاحة العسكر واعادة الديمقراطية الى البلاد في أواسط الثمانينات من القرن الماضي.

وكان على رأس تلك النضالات رئيس نقابة عمال التعدين لويس ايناسيو لولا دا سيلفا الذي انخرط في النضال السياسي على رأس التيار اليساري واصبح نائبا في البرلمان ثم ترشح لمنصب رئيس الجمهورية عدة مرات ولكنه لم يفز، الى أن فاز أخيراً في انتخابات تشرين الاول/اكتوبر 2002، وحصل على أكثر من 51 مليون صوت بنسبة 62% من اجمالي الأصوات. ثم أعيد انتخابه لدورة ثانية في خريف 2006 بنسبة 60%.

ومثل عهد لولا دا سيلفا نقلة نوعية في التاريخ الحديث للبرازيل. وقد اعتمد دا سيلفا سياسة اقتصادية ـ اجتماعية مرنة تقوم على تشجيع الاستثمارات (وتطمين الرأسماليين لجهة عدم مصادرة او تأميم املاكهم باسم الاشتراكية) ورفع مستوى معيشة الجماهير الشعبية وتحسين الخدمات الاجتماعية عن طريق فرض الضرائب التصاعدية المقبولة. وفي غضون سنوات قليلة تحولت البرازيل من دولة مدينة ومفقرة جدا، الى دولة سريعة النمو وتمتلك احتياطاً مالياً يقدر بأكثر من 200 مليار دولار. وتحولت البرازيل الى القطب الرئيسي للدول اليسارية في أميركا اللاتينية ككوبا وفنزويلا وبوليفيا والاكوادور.

وعلى الصعيد الدولي خطت البرازيل خطوة كبرى خارج النفوذ الغربي، وهي مشاركتها مع روسيا والصين والهند في تفاهم اتحادي بين الدول الاربع في 2008 تحت اسم "بريك" الذي تحول في 2009 الى "بريكس" بعد انضمام جمهورية جنوب افريقيا اليه. وكلمة "بريكس" (BRICS) تتألف من الأحرف الأولى باللغة الانجليزية لأسماء الدول الأعضاء الخمس. وتشكل مساحة هذه الدول 25% من مساحة الكرة الأرضية، و40% من عدد سكان الأرض، ومن المتوقع في عام 2050 ان تتصدر الاقتصاد العالمي. ونشأت منظمة "بريكس" في البداية كتفاهم اتحاد اقتصادي. ولكنها كانت ولا زالت تتدرج نحو التحول الى اتحاد ثابت، اقتصادي ـ سياسي ـ امني ـ عسكري، مفتوح للدول الاخرى، ومناوئ للكتلة الغربية. وكانت البرازيل الدولة الوحيدة، العضو في منظمة "بريكس"، التي تقع في النصف الغربي للكرة الارضية، وعلى اكتاف الولايات المتحدة الاميركية. وهذا ما جعلها تحظى بغضب شديد من قبل الكتلة الغربية، وهو ما سنتناوله لاحقا.

وفي نهاية سنة 2011 امتنع لولا دا سيلفا عن فكرة تعديل الدستور كي يتاح له تجديد انتخابه لولاية ثالثة. وتم ترشيح المناضلة اليسارية ديلما روسيف التي فازت بالرئاسة. وانتقلت روسيف من صفوف ما كان يسمى "التوباماروس" (الثوار اليساريون الذين انتهجوا خط حرب العصابات في المدن في اميركا اللاتينية) وسبق لها ان اعتقلت وعذبت وسجنت في عهد الدكتاتورية العسكرية. وحينما وصلت الى الرئاسة، استدعت الضباط الكبار المسؤولين عن تعذيبها وسجنها، الى القصر الجمهوري، وطمأنتهم على أنفسهم ومناصبهم، وقالت لهم: أنا لست هنا لأجل الانتقام، بل لكي نبني معا البرازيل الجديدة، الغنية والقوية.

وبهذه الروجية ارتضت روسيف ان يكون نائبا لها (نائب الرئيس) خصمها السياسي المخضرم ذا التوجه اليميني والغربي ميشال تامر (والداه مهاجران لبنانيان منذ نهاية الحرب العالمية الاولى). وتابعت روسيف نهج "ابيها الروحي" لولا دا سيلفا.

وتشير الدلائل الى أن الدوائر الامبريالية الغربية قررت "نزع فتيل القنبلة" البرازيلي بأي ثمن. أي ازاحة اليسار عن السلطة وتقويض الاقتصاد البرازيلي والقاء البرازيل من جديد في براثن المديونية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لاعادتها الى "بيت الطاعة" الغربي.

وفيما بعد تقول الرئيسة ديلما روسيف إن ميشال تامر كان يستغل منصبه كنائب للرئاسة كي يتآمر عليها.

وكانت أولى الخطوات التي أقدمت عليها الدوائر النافذة الغربية هي اخراج مسرحية خروج البابا بنديكتوس الى التقاعد، وانتخاب البابا فرنسيس (الاميركي اللاتيني) مكانه في 13 اذار 2013 للسيطرة على المرجعية الدينية.

وفي داخل البرازيل نجحت المخابرات الغربية والاوساط البرازيلية اليمينية الموالية للغرب، ـ نجحت اخيرا في فبركة تهم ضد الرئيسة ديلما روسيف  تتعلق بمخالفة الدستور والفساد، وتم ايقافها عن متابعة مهامها الرئاسية في ايار 2016، وحل محلها نائب الرئيس اليميني ميشال تامر كرئيس بالوكالة حتى نهاية عهدها في كانون الثاني 2019.

ومن المفترض ان تجري الانتخابات الرئاسية الجديدة في خريف السنة الجارية 2018ـ واعلن الرئيس الاسبق لولا دا سيلفا انه سيترشح من جديد. وكانت استطلاعات الرأي تجمع انه سينجح باكثرية ملحوظة. فتمت هو الاخر فبركة تهم بالفساد ضده، وتمت محاكمته بسرعة وحكم عليه هذا الشهر بالسجن 12 سنة لمنعه من الترشح للانتخابات. وفي البدء رفض دا سيلفا تسليم نفسه واعتصم في نقابة عمال التعدين التي كان يترأسها في ثمانينات القرن الماضي، ولكنه عاد هذا الاسبوع وقرر تسليم نفسه حقنا للدماء ولاثيات براءته.

وفي الوقت ذاته اعلن الاتحاد الاوروبي منع استيراد لحوم الدجاج من البرازيل بحجة مخالفة المعايير الصحية للاتحاد. وتقول المراجع البرازيلية المختصة انه لم يسبق للاتحاد أن أبدى أي ملاحظات بهذا الخصوص، وفسر المراقبون هذا القرار بأنه يدخل ضمن دائرة القرارات السياسية.

كما أن الرئيس الأميركي ترامب أصدر قرارا يفرض بموجبه رسوما جمركية على استيراد الصلب (بنسبة 25%) والالمنيوم (بنسبة (10%) من عدد من البلدان منها البرازيل. ويعني هذان القراران ان البرازيل ستخسر ليس فقط عشرات مليارات الدولارات من الارباح والاجور، بل ايضا ان عشرات الوف عمال المزارع والمعامل والمصانع والمناجم سيجدون انفسهم بدون عمل اذا لم يتم تأمين اسواق بديلة بسرعة.

ان اليسار لم يعلن بعد عن مرشح بديل للرئاسة غير لولا دا سيلففا، ولكنه من غير المعلوم اذا كانت المراجع القضائية ستسمح له بالترشح من السجن.
والبلاد تقف الان على حافة اضطرابات اجتماعية وسياسية لا احد يستطيع ان يتكهن هل ستنتهي بحرب اهلية ام بوقوع انقلاب عسكري يميني موال للغرب يعيد الدكتاتورية الى البرازيل.

 

2018-04-23