ارشيف من :أخبار لبنانية
خطاب انفصالي موتور.. إلى أين يأخذ الحريري أهل بيروت؟
تجاوز رئيس الحكومة سعد الحريري كل الخطوط المرسومة في إطار مقوّمات الخطاب الانتخابي، وخالف كل الضوابط الأخلاقية والأدبية في مواقفه الموجّهة نحو الجمهور الذي يعتقد الحريري أن يمنحه أصواته يوم الاقتراع، فبعد أن كان يرفض الاعتراف بحالة الإفلاس التي يعانيها، يبدو أنه عاد واستشعر بها حقيقة، قبل أقل من أسبوعين على موعد إجراء الانتخابات، فلم يعد أمامه سوى الكلام على المكشوف.
بيروت ليست حظيرة حريرية
من استمع إلى الحريري في خطاباته الاستعراضية أمام أهل بيروت، كان يظن أن الحماسة المنبرية هي التي دفعته إلى الوقوع في فخ الانزلاق، فأفصح لسانه بمكنوناته الحانقة وخلفياته الفتنوية، التي سعت إلى عزل أهل بيروت وحجزهم ضمن شرنقة الانعزال، ولكن صيحاته العنترية التالية أكدت أن هذا الرجل ماضٍ في سياسة التفرقة والمذهبية، ولا سيما بين أبناء المعتقد الواحد، ومصرّ على إظهار بيروت وكأنها حظيرة حريرية يجتمع فيها أهل السنّة دون غيرهم من باقي الطوائف اللبنانية، دون أن يراعي أي احترام لتاريخ هذه المدينة الجامعة وعائلاتها العريقة.
مؤتمر باريس الانتخابي
لكن الأخطر من ذلك أن الحريري نقل هذه اللغة المتوتّرة إلى مناطق أخرى في البقاع، وهو يعلم تماماً أن الشريحة التي ينتمي إليها الناس في هذه القرى لا يتساوقون على المستوى الاقتصادي مع أهل بيروت، فمعظمهم من المحرومين الذين عانوا سنوات طويلة من الحرمان الرسمي، فاختار خطاب الترغيب والترهيب، وأعلن بوضوح عن معادلته في الابتزاز الانتخابي السافر، قائلاً إن مؤتمر باريس سيدعم لبنان بالمشاريع الإنمائية، ولكن هذه المناطق لن تحظى بأي إنماء إلا إذا جيّرت أصواتها لتيار الخرزة الزرقاء في 6 أيار، فأصبح مؤتمر باريس أداة انتخابية لدى الحريري.
حصص انتخابية للناخب البقاعي
شهر الحريري سلاح التنمية في وجه قرى البقاعين الأوسط والغربي، وهي المنطقة التي تمتاز بغالبيتها من الطائفة السنّية، وهذا الأمر يطرح إشكالية خطيرة على المستوى السياسي، فسعد الحريري رئيس حكومة لبنان، ذهب إلى باريس ليحظى بقروض موعودة لإقامة مشاريع تنموية تهدف إلى رفع مستوى النمو الاقتصادي العام للبلاد، لا أن تكون حصصاً إنتخابية مالية يبتز فيها الناخب السنّي، وينمّي في داخله الشعور بالتمايز، ويجعله يعيش حالة التنمّر على غيره من أبناء المنطقة والوطن ككل، مما يسهم في إذكاء الفتنة والفرقة بين الناس، وبدل أن تكون محطة 6 أيار مناسبة وطنية، فإن خطاب الحريري يهدّد بجعلها محطة فتنة داخلية.
المعركة سياسية لا طائفية
حسناً قال الحريري وفريقه المشنوق والمتدلّي في اعتبار المعركة لا تقف عند الحدود الانتخابية بل هي معركة سياسية أيضاً، وهذا القول صحيح لأن ما ستفرزه الانتخابات قد يؤدي إلى صياغة جديدة للبنية العامة للبنان، السياسية منها والاقتصادية والتشريعية وحتى الاجتماعية أيضاً، ولكن المواقف التصعيدية التي يطلقها هذا الفريق يؤسس لحالة من الانفعالية السلبية التي قد تنفجر في 7 أيار، بعد أن تبيّن نتائج الانتخابات خسارة هذا الفريق وسقوط كل وعوده ومقولاته الانتخابية، وبالتالي فإن الحريري المهجوس في خياراته وتوقعاته وقراراته اللاحقة يحاول تلافي الوصول إلى هذه النتيجة المخزية من خلال شد عصب الناس واللعب على الوتر الطائفي والمناطقي.
خطاب انفصالي موتور
خرج سعد الحريري من ثوبه الحكومي الذي يفرض عليه أن يكون حيادياً غير منحاز، وارتدى ثوب الشخص الموتور الذي يرهب اليوم الآتي ويخاف مما هو قادم، فباتت رؤيته تجزيئية وخطابه انفصالياً، ينظر إلى كل منطقة وكأنها جزيرة منفصلة عن غيرها ضمن الإطار الوطني العام، وكأن انتخابات 6 أيّار أصبحت بالنسبة إليه معركة وجود أو عدم وجود، فانطلق يحرق كل أوراقه وأشرعته السياسية، وهو ما سينعكس عليه سلباً. أوساط مطّلعة معنية بتفاعلات الشأن الانتخابي نبّهت إلى أن الخطاب التحريضي سيؤدي إلى تخويف الجمهور الذي يتمنى الحريري الحصول على أصواته، حيث يدرك هؤلاء أن مواقف اليوم ما هي إلا وعود آنية لن تتحقق، معتمدين في ذلك على تجارب سابقة ووعود سابقة من الحريري نفسه.
أزمة الحريري ثلاثية
ولفتت هذه الأوساط إلى أن الحريري المأزوم بيروتياً يدرك أنه قادم إلى أزمة مزدوجة ستقزّم موقعه السياسي وتحجّم تمثيله النيابي، فلا يمكن له أن يخوض معركة في الشمال نظراً لقوة أخصامه هناك وبالتالي لن يكون له مرقد عنزة في طرابلس، كما أن حظوظ نجاح مرشّحيه في الجنوب قد تكون معدومة، وبالتالي لم يعد أمامه سوى شحذ النفوس في قرى البقاع، حتى لو اضطره ذلك إلى إطلاق عبارات وصفات تؤدي إلى توهين الدولة ومؤسساتها وفي طليعتها الجيش اللبناني الذي خاض معركته البطولية حين كان عرسال مخطوفة من قبل الإرهابيين، وتحذّر الأوساط نفسها من أن قلق الحريري قد يدفعه إلى رفع وتيرة الشحن الطائفي في الأيام المتبقية وصولاً إلى 6 أيّار، فكل ما لديه اليوم يدفعه إلى التشاؤم إزاء "تياره المستقبلي"، وبالتالي لم تنفع الخرزة الزرقاء في ردّ العين بل في استحضار الكوابيس.