ارشيف من :نقاط على الحروف
حزب الله وربط النزاع مع ميليشيا الفساد والإقتصاد الريعي
يتفق دارسو علم السياسة على أن "ربط النزاع" هو مصطلح للتعبير عن مجموعة من الأفكار والطرق المستخدمة للحد من نزاع قائم بين طرفين أو أكثر، ويكون غالباً نزاعاً طويلاً غير عابر يمر بمراحل تصعيد أو تهدئة. وهو بمعنى أوضح يعني تعليق القرار النهائي بالحسم سلباً أو إيجاباً بسلوك خيارات التأقلم مع الواقع القائم على مضض بانتظار متغيرات أو مؤثرات تعدّل في موازين المواجهة.
وربما يكون العرب أو الأنظمة العربية قد استوردوا فكرة "ربط النزاع" لتبرير عجزهم أو تقاعسهم أو حتى تواطئهم في إطالة أمد الحرب مع " إسرائيل" على مر سبعين عاماً، وهي لا شك، أي الأنظمة، قد تكون وجدت في المصطلح مخرجاً دائماً لتخدير شعوبها وتعليقها على وعد بحسم الصراع، في وقت مناسب، ما أتى يوماً ولن يأتي.
وعلى منوال أنظمة العرب في اعتماد أسلوب "التخدير السيكولوجي" للشعوب والجماهير والأتباع، ينسج البعض في لبنان، فأحدٌ ما في أروقة القرار الخارجي أو في حاشية رئيس الحكومة سعد الحريري أوحى له بمصطلح يجنّبه الإحراج تجاه الخارج الأميركي والغربي والسعودي، ويبرر له الإلتفاف على سنوات التعبئة والتحريض التي طالما اشتغل عليها لشد عصب جمهوره تحت عنوان العداء لحزب الله.
ربما يكون الحريري محقّاً في حديثه المتكرر عن ربط نزاع مع حزب الله ربطاً بقناعاته وولاءاته السياسية، فهو من مدرسة قامت وما زالت على البراغماتية الغرضية غير المبدئية، أي أن المصلحة عنده فوق كل اعتبار، المصلحة الإقتصادية التي لأجلها كان العمل السياسي وليس العكس. وما يؤمن به حزب الله قولاً وفعلاً من عقيدة المقاومة التي تقول بلبنان المقاوم القوي صاحب الموقف والمبدأ الإنحيازي لقضايا الأمة إلى المفاهيم والمقاربات السياسية والإقتصادية المنتجة ببعدها الإجتماعي الرعائي غير الإحتكاري، هي عقيدة ومفاهيم مختلفة تمام الإختلاف عن المدرسة الحريرية المتوَارَثة القائمة على لبنان المحايد في صراعات المنطقة وعلى رأسها الصراع العربي ـ الإسرائيلي، مع إلتزام كل مقاييس ومعايير الدول أو الإمارات ذات الإقتصاد الريعي التي لا لون لها في السياسة، والهجينة بلا هوية وتاريخ أو المعولَمة بلا إنتماء.
أخطر ما في الاقتصاد الريعي هو أن تقوم الدولة ببيع أو تأجير مواردها الأصلية للعملاء الخارجيين |
وإن كان مفهوم الإقتصاد الريعي يعني علمياً اعتماد الدولة على مصدر واحد للدخل، فإن أخطر ما فيه هو أن تقوم الدولة ببيع أو تأجير مواردها الأصلية للعملاء الخارجيين. لكن الإقتصاد الريعي بنسخته الحريرية، والذي تعتنقه الحكومات الحريرية المتعاقبة منذ الطائف منهجاً لإدارة شؤون لبنان الإقتصادية، يعني بناء الإقتصاد الوطني حصراً على نظرية بلد الخدمات مصرفياً وإستثمارياً وعقارياً، وربط كل هذه الفلسفة برهانات سياسية بدأت بالبناء على إتفاق أوسلو بداية تسعينات القرن الماضي، وقامت على فكرة التسوية وهي إلى اليوم لم تبارح تلك الحقبة البائدة، وتجتر الرهان إلى حد الإدمان، كأنها تتوسل أو تتوهم تسوية مع " إسرائيل" كلما لاحت من خلف الأطلسي إرهاصات أو شعارات إنتخابية موسمية يطلقها رئيس أميركي إسرائيلي الهوى والهوية.
والنظرية السالفة لا يقتصر قصورها على رهانات سياسية واهمة أو وهمية، فهي ببعدها الإقتصادي البحت، وبخلاف الإقتصاد المنتج، لا تشمل ولا تستهدف سوى المركز دون الأطراف، فالمركز وهو بعض بيروت ووسطها التجاري والمصرفي لم ولن يصل مداه الريعي المفترض إلى الأطراف من أقصى عكار إلى الجنوب مروراً بالجبل والبقاع، وفي تلك المناطق لا يستوي سوى إقتصاد منتج يقوم على الزراعة والصناعة، وهو ما ليس على بال السياسات الحريرية.
أفق إقتصادي قاصر في مداه وقصير النظر في زوايا رؤيته، وهو في أبعد تجلياته لن يتخطى أطراف "الزيتونة باي" أو "الداون تاون"وشارع "المصارف" وشارع "مونو"!!، فحتى السياحة عنده ليلية لاهية صاخبة لا هي طبيعية ولا بيئية ولا تراثية أو أثرية ولا دينية وفي لبنان ومناطقه الطرفية الكثير من هذه السياحات بما يليق ويرضي كل المزاجات والثقافات.
أفق إقتصادي قاصر في مداه وقصير النظر في زوايا رؤيته |
وربما يطول النقاش في نظرية الإقتصاد الريعي أو "البلد الكازينو" وضرورة ارتباطه بمحيط محايد، وهو ما يخالف واقع الصراع المستديم في المنطقة. وربما يقول قائل إنها نظرية عمل متناسبة وواقع الموارد الطبيعية اللبنانية المتواضعة في سوق المنافسات والمضاربات، وهذا ليس صحيحاً ولا يمت للواقع الطبيعي القائم ولا للواقع المؤمل مع الثروة النفطية الموعودة. كما أن الكساد الفكري والفساد الفعلي لتيار المستقبل لا يتعلق فقط بعقم نظريته الإقتصادية التي راكمت ما يقرب من مئة مليار دولار من الديون، بل في فساده المبطن عبر مجالس وهيئات وشركات، أُقرّت لها قوانين وتشريعات خاصة، نهبت بشكل ممنهج ومنظم و"مرتّب" عشرات الأضعاف مما يشاع أن قوى وجماعات أخرى نهبته أو أهدرته بشكل فظ وعشوائي وغير منظم، والحال هنا يصدق فيها قول:" إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".
لن يجد مبتدىء أو خبير في التحليل السياسي والإقتصادي صعوبة في تفنيد مسارب الهدر والنهب الأضخم في دولة لبنان المنهوب والتي يسيطر عليها تيار المستقبل، فيمكن البدء من سوليدير والأسعار الخيالية لعقاراتها المأخوذة غصباً من أصحاب الحقوق " بتراب المصاري"، ومن "مجلس الإنماء والإهدار" والهيئة العليا لإغاثة المستقبل". أما ثالثة الأثافي فهي خدمة الدين العام وهي بمعظمها فوائد تُدفع للمصارف ومعظم هذه المصارف لبنانية، ومعظم المصارف اللبنانية هي تابعة أو تدور في فلك الحريرية السياسية، فالحريري رئيساً للحكومة بالإصالة أم بالوكالة هو الدائن وهو المَدين، وهو لن يفلت طويلاً من إحتمال كونه مُداناً بالجرم المشهود في أفظع " وأنظف" عملية إختلاس للمال العام.
وإن كان الحريري، برغم دفعه وصفعه من ولي العهد السعودي، لا يملك جرأة الخروج من دائرة المناورة والمراوغة في منطقة ربط النزاع مع حزب الله ، فإن حزب الله لن يمهله كثيراً ولن يهمله في مرحلة ما بعد الإنتخابات النيابية ليبدأ فك ربط النزاع مع ميليشيا الفساد والإقتصاد الريعي. وحزب الله الخبير في إستراتيجيا المفاجآت فجّر أول مفاجآته بمعادلة الإستراتيجية الإقتصادية مقابل الإستراتيجية الدفاعية.