ارشيف من :آراء وتحليلات

الحملات الدعائية في مشهد العراق الانتخابي

الحملات الدعائية في مشهد العراق الانتخابي

تزدحم شوارع العاصمة العراقية بغداد، وأزقتها وجسورها وأبنيتها وحدائقها، وكذلك مختلف المدن الأخرى من شمال البلاد حتى جنوبها، ومن شرقها الى غربها، بصور و"بوسترات" اآلاف المرشحين للانتخابات البرلمانية العامة، المزمع اجراؤها في الثاني عشر من شهر ايار-مايو المقبل.

تتفاوت تلك الصور و"البوسترات" في أحجامها وأشكالها الفنية وأساليب عرضها، بيد أنها في المحصلة تشكل منظراً اجمالياً واحداً، قد تكون له أبعاده السلبية التي ربما تفوق الأبعاد الايجابية. لا شك أن الصور و"البوسترات"، تمثل واحدة من مظاهر الحملات الدعائية الانتخابية العراقية، وغير العراقية، وهناك مظاهر وأساليب أخرى، بعضها تتم من خلال وسائل الاعلام المرئية والالكترونية، وبعضها الآخر من خلال الحراك الميداني المباشر على الجمهور المستهدف. ومع أن نشرها يشغل في الكثير من الأحيان، الحيز الأكبر من برامج الحملات الدعائية الانتخابية، الا أن الخبراء  والمتخصصين يشيرون الى أن تأثيرها على الناخب، ربما لا يتجاوز نسبة 12% في أفضل الأحوال.

بالنسبة للعراق، وتحديداً في المشهد الانتخابي الحالي، تشير معطيات مختلفة الى أن صور المرشحين و"بوستراتهم" الدعائية، لم تعد تترك أثراً ايجابياً على المواطن، ومن الصعب جداً، أن تجعله يحدد خياراته واختياراته الانتخابية. بعبارة أخرى، يبدو أن الأثر السلبي للصور و"البوسترات" الانتخابية يفوق الى حد كبير الأثر الايجابي لها، ولعل حملات التمزيق والتشويه المتواصلة والمنظمة لها، وكتابة العبارات الساخرة والتعليقات التهكمية عليها، يعد أحد أبرز المعطيات والمصاديق على الأثر السلبي، حتى لو افترضنا أن الأطراف المتنافسة فيما بينها هي التي تقوم بحملات التمزيق والتشويه، مثلما تقوم بحملات التعليق والترويج للصور والبوسترات، فإن ذلك يؤكد بدرجة أكبر على الابعاد والاثار والمظاهر السلبية في الدعايات الانتخابية.

الحملات الدعائية في مشهد العراق الانتخابي

مظهر سلبي آخر، يتمثل في حملات "التسقيط" عبر الفضاء الالكتروني، لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي. وتتمثل تلك الحملات في نشر الكثير من الأمور المتعلقة بالفساد المالي والاداري، وسوء استغلال موارد الدولة وامكانياتها لمصالح شخصية وحزبية، والارتباط والتبعية لجهات خارجية، دولية واقليمية، وأكثر من ذلك فإنه في هذه المرة، انسحبت وامتدت حملات "التسقيط" الى الجوانب الأخلاقية ذات الطابع الشخصي، بما لا ينسجم مع منظومة القيم الاجتماعية والدينية للمجتمع العراقي.

وطبيعي أن حملات "التسقيط" المختلفة، تتم من خلال أعداد كبيرة من الحسابات والصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي كـ"فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، وهذا يستدعي توظيف كوادر بشرية كثيرة، وهو ما بات يطلق عليه "الجيوش الالكترونية"، وبالتالي يتطلب انفاق انفاق أموال طائلة في هذا الجانب، الأمر الذي يثير تساؤلات واستفهامات حقيقية وجادة عن مصادر الامكانيات المالية الهائلة للقوى السياسية ومرشحيها.

المظهر الآخر للدعايات الانتخابية، هو الترويج عبر القنوات الفضائية، الذي لا يختلف في جانب كبير منه عن الترويج الميداني والترويج الالكتروني، من حيث الضخ الاعلامي المتواصل والانفاق المالي الكبير، و"التسقيط" المتبادل، لا سيما اذا عرفنا ان اغلب القنوات الفضائية العراقية، وعددها يربو على-او يتجاوز-الثلاثين قناة فضائية، إما مرتبطة وتابعة لأحزاب وقوى سياسية-حزبية معينة، أو أنها داخلة في صفقات ومساومات مع بعض الأطراف والقوى والشخصيات من أجل الكسب المالي المباشر، أو في اطار أجندات ومشاريع تقودها وتوجهها وتحركها جهات خارجية.

وهناك مظهر اآخر للدعايات الانتخابية، لجأت اليه بعض الكيانات، إما بسبب الكلفة المالية الباهضة للأساليب والمظاهر التقليدية، أو لتقديرها أن الأخيرة لم تعد جاذبة ومثيرة للمتلقي بالقدر الكافي. ويتمثل ذلك المظهر، بالتحرك الميداني، والمشافهة مع الناس في طرح وتوضيح وشرح متبنيات وبرامج المرشحين التابعين لهذا الكيان أو ذاك، أو حتى المستقلين منهم، لكن هذا لا يعني أن مثل ذلك المظهر أو الأسلوب لا يحتاج الى انفاق أموال، بل إن تصميم وطباعة المنشورات التعريفية، والهدايا التذكارية، ومستلزمات الترويج الانتخابي من وسائل نقل وأزياء بألوان خاصة، وأعلام وشارات، وغيرها، يستلزم هو الآخر توفر امكانيات مالية لا يستهان بها.  

في اطار كل تلك المظاهر والأساليب، هناك حقيقة لا يمكن بأي حال من الأحوال التغاظي عنها وتجاهلها، الا وهي أن الوعود الوردية، والخطب الرنانة، والشعارات البراقة، لم تعد تستهو الناخب العراقي، ولم تعد تجذب وتحدد خياراته، فحالياً ما تطرحه وتضخه الدعايات الانتخابية له من وعود وخطب وشعارات، هي ذاتها قبل أربعة أعوام وقبل ثمانية أعوام، وقبل ذلك، والمتحقق منها قليل جداً، لذلك فإن تعاطيه في الأعم الأغلب مع مجمل مظاهر الترويج الانتخابي سلبي.

واذا كان هناك جمهور حزبي موجه، وخياراته محسومة مسبقا، فيقابله جمهور غير حزبي ولا مؤدلج، يبدو انه غير متفاعل بما فيه الكفاية مع موضوعة المشاركة في الانتخابات، الأمر الذي يؤشر الى أن نسبة الانتخابات ربما ستكون منخفضة مقارنة بالانتخابات السابقة، وتتحدث معظم الاستطلاعات عن اأن نسبة المشاركة لن تتجاوز الـ (45%). في ذات الوقت فإن الجمهور الحزبي، سيتجه للتصويت لزعامات وشخصيات سياسية بارزة، أغلبها تتصدر القوائم الانتخابية، مما يعني حصول عدد قليل من الأسماء على عدد كبير جدا من أصوات الناخبين.

ومرة أخرى،  فإن فرص المستقلين ستكون محدودة وهامشية، لذلك فإن اللون الحزبي، ومساحات الكتل السياسية الرئيسية ستبقى هي السائدة والمهيمنة في المرحلة المقبلة، سواء حصلت عمليات تزوير أم لم تحصل، اذ إن التزوير لا يمكن أن يقلب النتائج رأسا على عقب.

ومما لاشك فيه، أن مظاهر وأبعاد ومديات الترويج الانتخابي والحملات الدعائية - بسلبياتها وايجابياتها - لا تؤثر كثيراً على نسب المشاركة، ولا على تحديد النتائج النهائية بإطارها العام، ولا على أحجام الأسماء والعناوين الكبيرة، إن كانت لأحزاب أو شخصيات.

لكن تبقى المظاهر والاأساليب الدعائية، وطريقة التعاطي معها، مقياساً ومؤشراً على مستوى وطبيعة الوعي السياسي المجتمعي، وعلى حقيقة مصداقية من يتطلع الى المشاركة في العملية السياسية، عبر التصدي للمواقع والمسؤوليات التشريعية - الرقابية، أو التنفيذية، وعلى مدى الالتزام بمنظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية والدينية السائدة في المجتمع.

2018-04-26