ارشيف من :تحقيقات
دمشق تؤمن أهم شريان حيوي: الحياة تبعث مجددا في طريق حرستا - دوما
لم يعد طريق حرستا - دوما المتصل بالأتوستراد الدولي دمشق حمص طريقا للموت، بعدما طويت منه وإلى الأبد، مشاهد السيارات المدمرة التي عكف الإرهابيون على قنص ركابها من مناطق تمركزهم على الضفة اليمنى منه، مُعممين أجواء الخوف والرعب في طريق موحشة عبدت بدماء المدنيين الأبرياء.
لطالما تباهى الإرهابيون وتحت صيحات "الله أكبر" بعرض فيديوهات السيارات التي يتم قنصها على طريق حرستا دوما المتصل المتصلة بالأتوستراد الدولي دمشق حمص. مشاهد الأجساد المدماة كانت من لوازم حالة الإستعراض الرخيص، حيث ينسب الارهابيون الى ضحاياهم صفة "الشبيحة". هي الصفة عينها التي قتلوا بذريعتها نساء وأطفالاً ورضعاً ذنبهم الوحيد أنهم أرادوا اختصار الطريق إلى مدنهم وقراهم في بقية المحافظات الوسطى والساحلية، فاختصروا طريق الحياة بعبورهم الأخير في دروب الموت.
يروي أيمن والدموع في عينيه لموقع "العهد" الإخباري القصة التي لا تزال تروعه حتى اللحظة وتجعله يتحسر مرات ومرات على عائلة استنهضت مروءته فلم يستطع أن يقدّم لها شيئاً. يقول "كنت مع عائلتي في السيارة أقود بسرعة جنونية على الطريق الدولي بين دوما وحرستا حين مررت بسيارة تم قنصها، بجوارها رجل ممدد على جانب الطريق ينازع الموت، وحوله زوجته وأطفاله، يبكونه ويصرخون طالبين النجدة من العابرين. لا أستطيع أن أنسى منظر زوجته التي ترجتني كي أقف لإنقاذ أولادها من رصاص القنص وإسعاف زوجها المحتضر. لم أستطع التوقف لأنني علمت بأنني إن فعلت ذلك فسألقى المصير ذاته مع عائلتي، أسألها إن كانت لا تزال على قيد الحياة مع بقية أطفالها أن تغفر لي وأن تسامحني لأنني لم أستطع أن أفعل لهم شيئا".
يحضن الياس صورة طفله جورج ويقبلها. بين عيني الطفل مرت رصاصة إرهابي عرف كيف يعاقب العائلة العائدة للتو إلى دمشق من مشتى الحلو لمجرد أن ألوان العلم السوري مطبوعة على سيارتها. يقول الياس لموقع "العهد" "كان بإمكانهم أن يقنصوني ويقلبوا السيارة بي وبالعائلة لكنهم اختاروا أن يفجعوني بطفلي البريء جورج مدى الحياة لمجرد أنني لم أنزل العلم السوري وصورة السيد الرئيس عن السيارة، لقد عرفوا كيف يجعلون الحسرة تجد مستقراً دائماً لها في قلبي وقلب زوجتي وبقية أولادي".
الحكومة السورية تعيد تأهيل الطريق
مع خروج آخر إرهابي من دوما وقبلهم من حرستا وعربين بات الطريق الدولي من دمشق إلى حمص آمنا بشكل نهائي وتام. قبل ذلك وبعدما كان القنص قد شاع على جنباته، كان السوريون مضطرون لعبور طريق آخر هو طريق التل الذي يعد أطول بكثير وأشد وعورة لكنه كان آمنا. بعد خروج الإرهابيين بشكل مباشر كلفت الحكومة السورية متعهداً خاصاً لإعادة تأهيل هذا الجزء من الأتوستراد الواصل بين دوما وحرستا وهو الأمر الذي باشر فيه فوراً بالشراكة مع مؤسسة الإنشاءات العسكرية السورية.
الفلسطيني السوري وائل الشهابي المكلف بإعادة التأهيل يقول لموقع "العهد" الإخباري إن "إعادة تأهيل هذا الطريق الحيوي الذي يعد شريان حياة بكل ما للكلمة من معنى أمر على درجة عالية من الأهمية وينتظر أن تجني الحكومة السورية الكثير من ورائه على كافة المستويات الإقتصادية والإجتماعية والخدماتية، فهو عقدة المواصلات الهامة التي تربط جنوب البلاد بوسطها بالساحل السوري وصولا إلى الشمال ويوفر على السوريين المال والوقت والجهد".
ويرى الشهابي أن "اعتماد التشاركية بين القطاعين العام والخاص في موضوع كهذا يعكس رغبة الحكومة السورية في انصاف رجال الأعمال والمتعهدين الذين أبقوا على التزاماتهم الأخلاقية والوطنية تجاه سوريا ويفسح المجال امام الجميع لإعادة الإعمار".
المواطنون السوريون: سعادة لا توصف
يمر أبو خالد بسيارته على الطريق الدولي بين دوما وحرستا يسترق أولاده النظر إلى سيارات الصيانة وورش تعبيد الطريق والمهندسين الذين يديرون العمل، آخر مرة مروا فيها من هنا، كانت حين نجوا بأعجوبة من رصاص قنص أثناء توجههم مع والدهم إلى معمل الرخام في المنطقة المحيطة بكراج العباسيين. منذ ذلك الحين اضطر أبو خالد لسلوك طريق ضاحية الأسد مرورا ببرزة ومنها إلى دمشق " كنا في ذلك كمن يلف يديه حول رقبته لكي يمسك بأنيه ، هكذا فرض الإرهابيون علينا ان نتصرف، أما اليوم فما كنت أقطعه في ساعة ونصف يمكن قطعه في ثلاثة عشر دقيقة فقط"، يقول أبو خالد لموقع "العهد" الإخباري.
على الطريق الذي يعاد تأهيله مرة جديدة مرت قافلة سيارات لفنانين سوريين زاروا حرستا القريبة زيارة رمزية وقفلوا عائدين إلى دمشق عبر طريق لم يشاهدوه منذ سبع سنوات. رفعوا أيديهم للمواطنين العابرين على الطريق ذاته ليردّ هؤلاء التحية باجمل منها. فالسعادة البادية على الوجوه كانت انعكاساً لقناعة تامة بأن الوطن يتعافى وهذا الطريق الذي يعاد تعبيده اليوم صار طريقا للحياة بعدما وسم طويلا بأنه طريق الموت.