ارشيف من :تحقيقات
بعد أعوام على فقدانه في الرقة.. قاتل حتى الرصاصة الأخيرة وعاد شهيداً
بعد أربعة أعوام على انقطاع أخباره في الرقة، كُشف مصير أدهم الذي احتضنه تراب المدينة شهيداً في فترة عصيبة لم يعرف أهله خلالها دالة على مصيره، قبل أن تصل المعلومات للجيش السوري عن وجود مقبرة جماعية ضمت رفات العشرات من الشهداء.
انحسار الأمل
كان الأمل لا يزال يراود عائلة خضر بأن يكون ولدهم أدهم موجوداً لدى العشائر العربية في الرقة والتي وضعت السكين الداعشي على رقبتها حين قام بعض أفرادها بإخفاء وحماية أفراد الفرقة 17 ولواء عين عيسى المنسحبين من المدينة وريفها، وفي وقت كان الوحش الداعشي في قمة تمدده. تذكر العائلة جيداً تاريخ الرابع عشر من تموز العام 2014 وهو اليوم الذي شهد آخر اتصال لأدهم بأسرته. مرت أربع سنوات على ذلك الاتصال، وقد أمل الأهل أن يكون أدهم قد "أخفى صفته وركن إلى التخفي في مكان ما من البادية غير مجازف بفكرة الإتصال بأهله" أو أن يكون آسروه المفترضين قد "أخفوا مصيره ليوم تفاوض معلوم" أو أن يكون أسيراً لدى ما يسمى "قوات سوريا الديموقراطية" التي "ستفاوض الحكومة السورية عليه يوماً". أفكار وهواجس عديدة تعاقبت في أذهان الأسرة الصابرة والتي راحت تقتصد في الأمل على مدى السنوات الأربع إلى أن جاء ذلك اليوم الذي رفع الجيش السوري فيه النقاب عن مقبرة جماعية لجنوده الشهداء في ريف الرقة المحرر، حيث وجدت شهادة القيادة الخاصة بأدهم والمخبأة في سترته البالية ما قاد الى معرفة هويته، فيُزَف أدهم بعد ذلك شهيداً إلى مسقط رأسه في حمص وسط أجواء من الفخر والسعادة بالشاب الذي رفع هامة أسرته عاليا حين قاتل بشجاعة حتى الرمق الأخير".
تكفينا زيارة جثمانه
لم تعد أم أدهم بحاجة إلى سؤال أفراد الفرقة 17 الناجين من الذبح في الرقة عن مصير ولدها أدهم. أقصى ما استطاع هؤلاء تزويدها به هو شكله وأوصافه وألوان ثيابه التي تحفظها أمه عن ظهر قلب واشتياق. اليوم عاد أدهم إلى مدينته حمص محمولاً على أكتاف الرفاق وفوق النعش المسجى قرأ أهله الجملة التي انتظروها طويلاً على قارعة الأيام بين نسائم الأمل وهجير الشك "الشهيد البطل النقيب شرف أدهم أحمد خضر" وقد أفاءت على نفوسهم السكينة. "كنت أغبط كل أم تعرف أن لولدها جثمانا في مقبرة الشهداء وتستطيع أن تزوره ، أما أنا فكنت أزور المقبرة هائمة على وجهي وكنت أشعر أن العيون تسترق النظر إلي لتقول هذه هي أم المفقود الذي لم يعرف مصيره أما اليوم فأنا في قمة السعادة لأنني أعلم أن لولدي جثمانا موجودا أستطيع أن أزوره وأقرأ الفاتحة على روحه الطاهرة وأفخر بأنني أم الشهيد البطل" تقول أم أدهم لموقع "العهد" الإخباري. وتضيف "في الأيام القليلة الماضية زارتني أكثر من عشر أمهات للتعزية بأدهم وهن لا يعلمن شيئاً عن مصير أولادهن، أشعر كثيراً بمرارة ما هن عليه وأرجو من الدولة التي فرجت عن همنا بعودة جثمان أدهم أن تفرج عن قلوبهن كذلك ليعشن السكينة التي أعيشها الآن".
تكبير الصورة
قبل عام من الآن مرضت أخت أدهم وقضت حزنا عليه. كان هذا باعثا لحزن أم أدهم وبقية أبنائها، لكن الفرح كما الحزن بقي ذلك المفهوم النسبي الغامض عند السوريين الراضين بنصف فرحة ونصف حزن لسبب يتعلق ربما برغبتهم في الحياة، أو بقدرتهم على النظر إلى النصف الممتلئ من كأسها. وبالنسبة لعائلة أدهم، فثمة أشياء كثيرة تدعوها للفخر بابنها، فهو وكما يقول أخوه أيهم لموقع "العهد" الإخباري كان مع مجموعة قليلة من رفاقه آخر من أخلى الميدان، وهو كما شهد أهالي المنطقة لاحقا رفض الإستسلام وقاتل حتى الرصاصة الأخيرة"، كان هذا زاد سيرته العطرة التي سمحت لأمه بـن تقصها على ابنة أخيه الصغيرة ليلى بمنتهى الفخر والإعتزاز يضاف إلى ذلك شهادته العلمية في هندسة الطاقة التي نالها بامتياز قبيل التحاقه بالخدمة.
"أصعب من الموت هو فراق الأحبة" تقول أخت أدهم لموقع "العهد" وهي تستذكر أختها الراحلة كمداً لفراق أدهم "صدقوني لدينا شعور عارم بالسعادة وهو شعور قد يبدو مفاجئا حتى بالنسبة لنا ولكنه حقيقي فليس أصعب من أن تكون في حيرة من أمرك ولا تعرف شيئا عن مصير من تحبه، اليوم نحن سلمنا أمرنا إلى الله ولدينا أخ شهيد نفخر به أبد الدهر".
يطيب لأهالي الشهداء أن يستحضروا سيرة سيد المقاومة ليتأسوا بها، وهذا ما فعله يحيى ابن عم الشهيد أدهم حين ذكر باستشهاد السيد هادي نصر الله وكيف وقف سماحة السيد نصر الله موقفه ذاك قائلا "الحمد لله الذي اختار من عائلتي شهيدا وأنا الذي كنت وما زلت أخجل من أسر الشهداء الذين أزورهم مباركا ومعزيا".
في مجلس العزاء المقام في الحي صورة بخلفية كبيرة لأدهم، رفع الأهل بعد وصول الخبر اليقين عن استشهاده. قبل ذلك كانت أمه ترفض ذلك وبشدة دفعاً لليأس والتشاؤم وتمسكا بأمل أن يعود إليها مشياً على قدميه.