ارشيف من :نقاط على الحروف
عرض نتنياهو الفاشل: محطة كاشفة عن المأزق الإسرائيلي
نجح بنيامين نتنياهو في تقديم عرض تمثيلي أمام وسائل الإعلام، شهد له بجودته واحترافه، خصومه السياسيون والإعلاميون. وقدم رسوما وارقامًا وتقارير حاول من خلالها التأكيد على أن ايران كان لديها برنامج نووي عسكري. وأنها عمدت إلى اخفاء ذلك عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وادعى نتنياهو أن لديه نصف طن من الوثائق! التي تثبت دعواه.
لم ينجح نتنياهو في إقناع المعلقين السياسيين والأمنيين في تل ابيب، الذين أجمعوا على أنه لم يقدم دليلا واحدا عن مرحلة ما بعد الاتفاق الذي يهتم له المجتمع الدولي. وبالرغم من التوظيف الداخلي للعملية التي قام بها، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن المعطيات والتقارير التي أوردها، تأتي في ذروة حراك دولي نشط على خطي طهران وواشنطن. ويسعى المسؤولون الاوروبيون على هذين الخطين للتوصل إلى صيغة ما تحول دون خروج الولايات المتحدة من الاتفاق كما تطالب "إسرائيل" وتسعى اليه، لكنهم يتفقون جميعا على مواجهة النفوذ الايراني وكبح تطورها الصاروخي.
بدا واضحا أن نتنياهو حاول من خلال هذا التقرير التأثير على الرأي العام الغربي عبر تقديم "لائحة اتهام" بحق الاتفاق النووي يبرر لمعارضيه موقفهم. ولذلك لم يكن صدفة اختياره التحدث باللغة الانكليزية مع أنه قدم هذا العرض في إسرائيل، وبذلك بدا نتنياهو حريصاً على مخاطبة الخارج الغربي أكثر من كونه يخاطب الداخل العبري.
على هذه الخلفية، أتى عرض نتنياهو قبل أيام من الثاني عشر من الشهر الجاري، الموعد المفترض أن يعلن فيه ترامب موقفه الحاسم من الاتفاق النووي. وتعكس هذه الخطوة حجم الدور الذي يلعبه نتنياهو في الدفع نحو الغاء الاتفاق. وينبع هذا التصميم من كونه يرى في فوز ترامب فرصة أخيرة لإسرائيل في محاولاته اعادة انتاج اتفاق يلبي شروطها، ويبدد هواجسها، أو على الاقل يُعيد فرض العقوبات عليها بما يُضعفها ويُساهم في عرقلة تطورها وعلى أمل أن يساهم ذلك في تكوين ضغط شعبي داخلي على النظام الاسلامي.
في ضوء ذلك، ينبغي التعامل مع خطوة نتنياهو على أنها خطوة مدروسة وهادفة، تتصل بسياق اقليمي ودولي محدَّدين. ولا يتعارض هذا الطابع مع أي ابعاد اضافية وجهها العديد من منتقديه في الساحة الداخلية باعتبارها محاولة للتأثير على المسار القضائي والسياسي الذي قد يطيح به من رئاسة الحكومة والليكود، نتيجة التحقيقات القضائية معه، عبر تقديم نفسه على أنه الأكفأ في قيادة "الدولة" بمواجهة التهديد الايراني المحدق به.
على مستوى النتائج، كما كان متوقعا، لم يتمكن نتنياهو من إحداث تغيير في موقف الاتحاد الاوروبي من الاتفاق النووي، وهو ما جسَّدته مسؤولة سياسته الخارجية، فيديريكا موغيريني، بالقول "لم أر أن لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي اليوم دلائل تفيد بأن طهران غير ملتزمة بالاتفاق النووي الإيراني". بل ذهبت إلى القول أن "جميع الأطراف توصل إلى هذه الصفقة بعد أن تولدت الثقة وتوفرت الضمانات". بالموازاة، اعتبرت الخارجية الفرنسية ان المعلومات التي قدمتها إسرائيل تبرز أهمية الإبقاء على الاتفاق النووي مع ايران، والامر نفسه ينسحب على بقية الدول المؤيدة لاستمرار الاتفاق. وفي خطوة تعزز هذا الاتجاه في التعليق، وتجهض محاولات نتنياهو في الساحة الاوروبية، رأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها "لا تملك أي مؤشر له مصداقية عن أنشطة في إيران على ارتباط بتطوير قنبلة نووية بعد العام 2009"، وأن "هيئة حكم الوكالة أعلنت انهاء النظر في هذه المسألة" بعد تلقيها تقريرا بهذا الصدد في كانون الأول 2015.
في المقابل، بدا أن البيت الابيض تلقف مسرحية نتنياهو ليعزز موقفه المسبق من الاتفاق، بالتعبير عن دعم جهود "إسرائيل" بالكشف عن معلومات تتعلق ببرنامج إيران النووي، ومشيرا إلى أن برنامج ايران النووي "كان أكبر بكثير مما أشارت إليه طهران في وقت الاتفاق النووي".
في كل الاحوال، من الواضح أنه مع أو بدون العرض الفاشل لنتنياهو فإن المسار النووي يتجه نحو المزيد من التأزيم، لكنه يشكل ايضا محطة كاشفة قبل ايام على القرار المفصلي، عن مسار تصاعدي للتوتر الاقليمي والدولي، ويكشف عن عمق المأزق الذي يواجهه الكيان الإسرائيلي.