ارشيف من :ترجمات ودراسات

كي لا ننسى بسالة دير ياسين: صمود حتى الرصاصة الأخيرة

كي لا ننسى بسالة دير ياسين: صمود حتى الرصاصة الأخيرة

يفوتنا على الدوام ونحن نتذكر النكبة الفلسطينية في 15 أيار/ مايو 1948، أن نتذكر ترتيب التواريخ والوقائع ونلحظ أثرها في النكبة الفلسطينية، خاصة عندما نتحدث عن المجازر التي ارتكبتها كل من "شتيرن" و"أرغون" و"الهاغانا" ودورها في نشر الذعر ما بين الفلسطينيين. حيث يظن البعض أن المجازر قد حدثت بسبب نزوح الفلسطينيين من ديارهم خوفاً وهرباً، هو الذي تسبب في تفرد العصابات وبالتالي ارتكابها للمجازر، في حين أن الترتيب كان عكسياً!
اذ ارتكبت العصابات المجازر في القرى التي قاومتها حتى الرصاصة الأخيرة وكان أفظعها مجزرة دير ياسين، التي حدثت في 9 نيسان/ أبريل 1948، والتي كان من أهم نتائجها بث الذعر ما بين الفلسطينيين. اذ كشف "ليني بيرنر" في كتابه "حركة التصحيح الصهيونية: من عهد جابوتنسكي إلى عهد شامير"، أنه بعد تنفيذ المذبحة، يرد "مناحيم بيغن" على الشجب الدولي للمذبحة بقوله: "إن القيادة العربية في رام الله أذاعت قصة بالغة في الوحشية، زاعمة بأن مذبحة حدثت من قبل قوات الآرغون ضد النساء والأطفال في القرية. وأن الرسميين اليهود استغلوا هذه الدعاية العربية ليشوهوا سمعة الآرغون.. إن هذه الدعاية العربية نشرت اسطورة الذعر بين العرب والقوات العربية".
ويتابع أن ما نشر برأيه يساوي معدل قوة ستة كتائب في القوات الإسرائيلية. وفي كتابه "الثورة" يشرح "بيغن"، أن "الذعر الذي أصاب العرب أدى إلى هجرة جنونية بينهم. فمن بين 800 ألف عربي على أرض (اسرائيل) بقي في أرض 1948، 165 ألفاً فقط" ويؤكد: "أن الأهمية السياسية والإقتصادية لهذا التطور لم تكن متوقعة".
وبناء على ما سبق، علينا أن نعيد ترتيب الذاكرة، ليس فقط بداعي احترام ذكرى هؤلاء الشهداء، ولكن احتراماً لما أبدوه من مقاومة يغفل المجموع العام عن ذكرها.

أهمية دير ياسين

كي لا ننسى بسالة دير ياسين: صمود حتى الرصاصة الأخيرة

تتلخص أهمية دير ياسين بالنسبة للعصابات الصهيونية في موقعها الاستراتيجي وفي أهميتها الإقتصادية. فدير ياسين تقع في المنحدرات الشرقية على تلة ترتفع 800 م عن سطح البحر مما جعلها تمتاز بموقع بمساحة واسعة من الرؤيا. كما أن القرية تقع إلى الغرب من القدس ويفصل بينهما واد مزروع بالتين واللوز والزيتون. وإلى الشمال منها يقع الطريق الرئيسي ما بين يافا والقدس. وبحسب الخطة "دالت" التي وضعتها العصابات الصهيونية، كان عليها أن تحاول السيطرة على أكبر قسم من الأراضي الفلسطينية قبل خروج البريطانيين. ومن ضمن المخططات كان احتلال يافا وما أمكن من القدس وغيرهما من المدن الواقعة حولها وضمن مناطق السيطرة العربية. وكانت دير ياسين تقع ما بين ستة مستعمرات صهيونية.
وبحسب وليد الخالدي في كتابه "دير ياسين: الجمعة 9 نيسان/ أبريل "1948، "لم يخرج أهل دير ياسين منها وبالذات ابن مختارها أبا عبدالله، خليل سمور منها حتى نفذت ذخيرته وتوقف عن القتال". لم تكن دير ياسين أول قرية تتعرض لتعدي القوات الصهيونية بل سبقها العديد من القرى حيث تعرضت  17 قرية للنسف والقتل. وتلاها بعد ذلك 400 قرية، درست معالمها درساً وأنشئت على أنقاضها المستعمرات الصهيونية. ولكن ما ميز حوادث دير ياسين هو دخول الصليب الأحمر في 11 نيسان/ أبريل قبل أن يتمكن الصهاينة من إخفاء معالم جريمتهم. الأمر الثاني الذي ميز حوادث دير ياسين هو المبالغة في عدد ضحايا المجزرة، الذي أعلن فيه العصابات عن قتلهم 250 رجلاً وامرأة وطفلاً من مختلف الأعمار مما سبب صدمة كبيرة في عموم فلسطين والدول العربية، في حين أن العدد لم يتجاوز 120، ولكنه عدد كبير بالنسبة لقرية كانت تعد أنذاك 750 نسمة.  

أسباب المعركة
بعد سقوط القسطل واستشهاد القائد عبد القادر الحسيني الذي قاتل حتى نفذت ذخيرته في 8 نيسان/ أبريل 1948. عاد بعض شباب دير ياسين من معركة القسطل، وكانوا في حالة تأهب دائم ويتناوبون على حراسة القرية، هذا مع العلم أن القرية كانت وقعت على معاهدة مع مستعمرة "غفعات شاؤول" بعدم التعرض لبعضهما البعض. إلا أن أهلها توجسوا شراً، فدير ياسين تقع ما بين ستة مستعمرات اسرائيلية. وكانت قبل ذلك قد وقعت معركتان بالقرب من مستعمرتين الأولى جنوب القدس على طريق الخليل والثانية شمال القدس على طريق رام الله، وانتصر فيهما المجاهدون العرب. وجاء القرار بالهجوم على دير ياسين انتقاماً من "ليحي وايتسل" (الآراغون وشتيرن) من أجل أن يثبتوا للعرب ماذا يمكن أن تفعل الفرقتان إذا ما اتحدتا. وأما الدافع الأساسي فقد كان اقتصادياً، اذ كانت العصابتان بحاجة للغنائم من أجل تمويل قواعد "الأرغون" في "غفعات شاؤول".

كي لا ننسى بسالة دير ياسين: صمود حتى الرصاصة الأخيرة

دير ياسين قاومت حتى الرصاصة الأخيرة
على المقلب الآخر، شكل سقوط "لفتا" بالنسبة لدير ياسين قلقاً وخوفاً. وكانت لفتا" تعد وقتها خمسة أضعاف دير ياسين في حجمها وعدد سكانها.
قبل سقوط دير ياسين توجه بعض رجالها إلى حيث يجتمع المشيعون الذين ينتظرون جثمان عبد القادر الحسيني، على بعد 2 كيلو متر من القرية. وإلى مركز القدس وقابلوا العميد محمد السعدي من أجل مؤازرة القرية، إلا أن الأخير اعتذر لكون الأمر خارجًا عن إرادته. وكان مجمل النجدة التي وصلت إلى دير ياسين هما أحمد البسطي وأحمد شقبو من عين كارم لا غير.
ابتدأ نسف المنازل في الساعة الحادية عشرة، الواحد تلو الآخر. وتوفي خلال الهجوم قائد قوة "الأرغون" "يهودا سيفل". وعندما وصلت العصابات إلى المنزل الذي قتل فيه "سيفل" فتح أحد مقاتليها النار على تسعة بينهم إمرأة وطفل كانوا قد استسلموا. لم يجرؤ رجال العصابات الصهيونية على دخول دير ياسين إلا بعد نفاذ ذخيرة المقاومين، وعدم وصول أية نجدة إليهم وتوقف القتال في المناطق الغربية من القرية. وفي اليوم التالي السبت، قاتل الشباب وهم جرحى، ومنهم من قتل وهو في السرير مضرجًا بالدماء. ودخل رجال العصابات وبدؤوا بإطلاق النار عشوائياً وابتدؤوا بجمع النساء والأطفال.
ينقل "بيرنر" في كتابه "حركة التصحيح الصهيونية"، عن بيغن أنه حذر الفلسطينيين في أيلول/ سبتمبر 1947 قائلاً: "أن أيدي القتلة ستقطع بدون رحمة". واطلع زواره في مكان آخر أنه "في الحروب الحديثة لا تقرر عدد الجيوش نتيجة الحرب، وإنما التي تقررها الخطط والمعنويات". والحرب مع العرب جعلت "الهاغانا" و"الآرغون" يتحدثان مع بعضهما البعض. وفي 8 آذار/ مارس توصلا إلى اتفاق حول القيام بعمليات مشتركة. وتلقت "الآرغون" و"شتيرن" الموافقة على احتلال دير ياسين. وبعد تنفيذ المذبحة كشف "مائير باتيل" وهو ضابط متقاعد اسرائيلي وشارك "الهاغانا" في تلك الليلة في حربها على دير ياسين: "بعد أن أسفرت المعركة عن مقتل أربعة وجرح بضع عشرات من جانبنا.. فإنه عند الظهر انتهت المعركة وتوقف إطلاق النار". ويتابع "باتيل"، "في غضون ذلك تم نقل 25 عربياً على متن شاحنة وأخذوا إلى موقع "حجارة" خارج دير ياسين حيث قتلوا هناك بدم بارد. ويكشف في ذلك علاقة "الهاغانا" بالمجزرة الأمر الذي حاولت إخفائه عن الإعلام أنذاك.

كي لا ننسى بسالة دير ياسين: صمود حتى الرصاصة الأخيرة

حقائق حول المجزرة
هناك نقاط أساسية تتعلق بالحقائق حول المجزرة، والتي تثير الفضول بعد قراءة الشهادات، والتي يمكن اجمال البعض منها بما يلي:
أولاً، لقد حاولت "الوكالة اليهودية" ومنظمة "الهاغانا" التملص من المسؤولية من المجزرة بل الذهاب إلى أبعد من ذلك باستنكارها. فـ"الهاغانا"، وهي نواة الجيش الإسرائيلي حاولت أن تقدم نفسها على أنها بريئة من المجزرة. ولكن في الحقيقة كانت "الهاغانا" تحاول القيام بأمرين: الأول هو الباس ثوب الجريمة المروعة لكل من "شتيرن" و"الآرغون" في لعبة سياسية من أجل إضعاف اليمين أمام اليسار وعزله عن التركيبة السياسية، وذلك بحسب وليد الخالدي.
والثاني، وأيضاً بحسب الخالدي وغيره، هو إخفاء دورها في الجريمة، وترافق ذلك مع استنكار "الوكالة اليهودية"، والذي كان بدافع الخوف على الإتفاق السري، الذي عقد مع الملك عبدالله (أمير الأردن أنذاك)، والذي تواطأ فيه الطرفان على تنفيذ تقسيم فلسطين.
والأمر الثالث، أنه لولا تدخل "الهاغانا" لتراجعت العصابتان ولم تستطيعا الدخول إلى دير ياسين.
وأما الحقيقة الأخيرة، والتي لم تخضع للتحقيق حتى اليوم، فتتعلق بعدد قتلى العصابات الصهيونية. اذ ليس من المنطقي، أن يكون عدد القتلى الصهاينة لم يتجاوز الأربعة بعد قتال دام من الرابعة صباحاً حتى الظهر ولم تستطع هذه العصابات احتلال القرية، مع العلم أن الاشتباك انتقل ليصبح بين البيوت. وجنون القتل الذي أصاب الصهاينة يدل على أن أهل دير ياسين قد أبلوا بلاء حسناً وأنهم قد أثخنوا بهم أثناء القتال. ولو ذاع هذا الخبر لاختلف وقعه على الفلسطينيين والصهاينة.

2018-05-03