ارشيف من :تحقيقات
’العهد’ في بلدة الحاضر يلتقي محرري كفريا والفوعة واشتبرق
خرج مخطوفو بلدة اشتبرق إلى الحرية دون أن يستطيع أحد منهم كسر قضبان الأزمات النفسية التي عصفت بنفوسهم منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي سيقوا فيه إلى سجون "النصرة" الإرهابية. وفي ذاكرة كل منهم صورة دامية عن حبيب أو قريب ترك مذبوحاً على الثرى في كروم البلدة التي استفاق أهلها على جريمة مروعة لا تزال حتى اللحظة واحدة من أبشع ما مر على يوميات الأزمة السورية. موقع "العهد" كان في بلدة العيس جنوب حلب حيث التقى بعض المخطوفين المفرج عنهم والذين أمضوا أكثر من سنتين في سجون "النصرة" الإرهابية. في حين شددت بعض الحالات الخارجة من كفريا والفوعة على تخوف الأهالي من تكرار مجزرة الراشدين أثناء خروجهم المحتمل مطالبين بضمانات.
نريد خروجا جماعيا بضمانات
يشير الحاج أبو حسين من بلدة الفوعة المحاصرة إلى عينه اليسرى التي أعطبتها رصاصة إرهابي متمركز في بنش المجاورة حين كان في أحراش البلدة يقطع حطب التدفئة لأطفاله الجائعين والمنزوين في المنزل البارد في القرية. يذكر أبو حسين كيف رأى بعين واحدة الحيرة في عيون الأطباء في المشفى وهم لا يملكون ما يفعلونه لأجله. وفي ظل غياب كافة الأجهزة الطبية الرئيسية لم يكن بوسعهم غير تخديره لمدة تزيد عن الساعة والنصف وتخييط العين المصابة بشكل أقرب إلى التجميل منها إلى الطبابة. تدهور الوضع الصحي لأبو حسين لاحقاً جعل منه إحدى الحالات الصحية الحرجة التي خرجت باتجاه ممر العيس في بلدة الحاضر جنوب حلب ليكون جزءا من التسوية التي قضت بخروج إرهابيي "النصرة" من مخيم اليرموك مقابل تحرير مختطفي اشتبرق والمحاصرين في بلدتي كفريا والفوعة.
"يود الكثيرون الخروج من كفريا والفوعة فالوضع هناك لم يعد يحتمل وخصوصا مع وجود الأطفال، ولكن هناك خشية عامة لدى الأهالي من أن يتكرر معهم ما جرى لإخوانهم من أهالي البلدتين في الراشدين حين استهدفت حافلات من كانوا يعتقدون حينها بأنهم خارجون إلى الحرية قبل ان يتحولوا إلى أشلاء وجرحى لم يعرف مصير قسم كبير منهم حتى الآن" يقول الحاج أبو عباس لموقع "العهد" الإخباري. وهو الأمر الذي أكده كل من قابلناه بعد خروجه من البلدتين ضمن شروط التسوية.
تطلب أم حسن منا إعفاءها من الحديث عن إصابة ابنها الذي خرج لتوه مع الحالات الحرجة من كفريا والفوعة، لكنها تعود وتنزل عند رغبتنا بعد ذلك لأنها ببساطة تريد أن تفضح الإرهابيين كما تقول "وضع أهالينا في كفريا والفوعة صعب للغاية، يعانون من نقص حاد في كل شيئ، أطفالنا يعانون من قلة الكلس ومن فقر الدم الشديد، ونناشد كل إنسان عنده ضمير بأن ينظر إليهم بعين الإنسانية، لا أبالغ إذا قلت بأن هناك من لا يجد غير حشائش الأرض ليطعم أطفاله".
مخطوفو اشتبرق جرح لا يندمل
وضع أهالي كفريا والفوعة على سوئه بقي أفضل نسبياً من مخطوفي بلدة اشتبرق التي تسلل إليها إرهابيو "جيش الفتح" حيث كانت جبهة "النصرة" رأس الحربة فيه في نيسان من العام 2015 حين حصلت المجزرة المهولة. فأهالي كفريا والفوعة كانوا رغم الحصار أحرارا بصمودهم الاسطوري فيما تحول سكان قرية اشتبرق التابعة لناحية بلدة جسر الشغور إلى شهداء ذبحوا على تخوم القرية أثناء محاولتهم الفرار بالجرارات الزراعية مع أولادهم إلى سهل الغاب المجاور ومدينة اللاذقية التي قضى فيها قسم ممن جرحوا أثناء عملية الفرار الجماعية. وحتى أولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى الأتوستراد الدولي المفضي إلى اللاذقية كانوا عرضة لإستهداف القذائف الصاروخية التي استهدفت مركباتهم وقتلت فيما قتلت كذلك مواطنين من بلدة جسر الشغور كانوا يعبرون الطريق صدفة تزامناً مع المجزرة.
المخطوفة المحررة السيدة أم حسين كانت شاهدة على ذبح الإرهابيين أختها مع أولادها السبعة وسوقها فيما بعد مقيدة بالأصفاد إلى سجن حارم في ريف إدلب "أشعر وكأن الجريمة قد وقعت بالأمس، لا زلت أتذكر الرعب المرسوم على وجوه أطفال أخوتي الصغار ومناشدتهم لي ولأمهم المذبوحة على التراب بالمساعدة قبل أن يقوم الإرهابيون بإلحاقهم بها، الحمد لله أنها ذبحت قبلهم حتى لا تراهم على الحالة التي رأيتهم عليها" تقول السيدة أم حسين لموقع العهد الإخباري.
ذكريات الحزن الطاغية على المشهد لم تمنع من تسلل مشاهد فرح لقاء المحررين بجنود الجيش العربي السوري الذين صدحت الحناجر بالدعاء لهم، بعد دورهم في عملية التحرير التي بقيت منقوصة حتى هذه اللحظة بسبب استمرار بقاء ثلاثة وأربعين مختطفا من أهالي اشتبرق حتى اللحظة كرهناء لدى الإرهابيين، في الوقت الذي تعمل الدولة السورية على أن يكونوا ضمن الجزء الثاني من عملية التسوية. حصول الجيش السوري على قوائم بأسمائهم قد يجعل المهمة ميسرة لكن الخوف ممن يمتهنون الغدر أبقى أهاليهم في حالة من القلق الدائم رغم التطمينات الحكومية في هذا الشأن.