ارشيف من :آراء وتحليلات

قانون الانتخابات النيابية مرحلة وليس محطة

قانون الانتخابات النيابية مرحلة وليس محطة

أياً تكن نتائج هذه الانتخابات النيابية، وقد باتت خلفنا، فإننا أمام حقيقة وهي أنها أتاحت أدخال دم جديد إلى المجلس، وكسرت احتكار تمثيل مناطق بعينها، كما اظهرت امكانيات واعدة مكتوم تمثيلها، وهي كناية عن قوى شابة مستقلة من خارج النادي السياسي فيما أطلق عليها "المجتمع المدني".  طرح هذا القانون تحديات أمام الاحزاب لتطوير خطابها السياسي، واساليبها النمطية المعتمدة منذ عدة عقود جرت خلالها مياه كثيرة في أنهار لبنان ووديانه .

انتخابات معقدة

ثلاثة عوامل تتحكم بالنتائج بموجب القانون الجديد: الحاصل الانتخابي، و"الصوت التفضيلي" ، وعدد المقاعد المخصصة لكل مذهب!! . وبناء عليه جرى تركيب اللوائح، ولكن بثغرة في بعضها إذا اصبحت مسألة الحاصل الانتخابي عند البعض هاجساً، الامر الذي سقطت معه الاعتبارات السياسية، حتى وجدنا بعض اللوائح خليطا من مكونات غير متجانسة سياسيا، دليلها الوحيد ضم اشخاص قادرين على استقطاب ناخبين لرفع الحاصل الانتخابي الذي يحدد عدد المقاعد المستحقة لكل لائحة . هذا الواقع نستثني منه  لوائح المقاومة والامل التي ضمت إليها حلفاء واصدقاءعلى نفس جادتها.
غير أن تجنب هذه المفارقة القيمية بل والاخلاقية في المستقبل سيملي على الاحزاب ان ترتقي بنفسها، باستقطاب نوعيات من الاعضاء المتميزين يملكون حضورا سياسياً وشعبيا، وسيبدو هذا ملحا أكثر واكثر مع وجود "الصوت التفضيلي" الذي سيزيد من اهمية الرصيد الذاتي للمرشح كعامل مقرر، ويسقط الية (البوسطة) التي كانت تقدم اشخاصا جاءت بهم شفاعة رؤساء اللوائح من الاقطاب الكبار!.
مما لاشك فيه أن اللوائح بتشكيلاتها كما رأيناها لا تعكس في الغالب اي مضمون سياسي، ومما لاشك فيه أيضاً ان التحالفات الانتخابية التي نشأت بحكم الضرورة ستنفض ليذهب كل رفيق في طريق ؛ ظاهرة قد لانجد مثيلاً لها إلا  في لبنان. هذا المشهد اللبناني الزاخر بالمفارقات يجعل نظامها ابعد ما يكون عن وظيفة السياسة وهي صناعة المستقبل والارتقاء بالدولة . إن هذه المهمة باتت اشبه بادخال جمل في خرم ابرة وفق شروط الحاضر اللبناني. هنا المأزق فكيف الخروج منه !!.
   
النسبية
     
أنطلاقاً من السؤال السابق  تنشاء الحاجة إلى نظام انتخابي لايلهث وراء حاجات السياسات الضيقة في لبنان باعتباراتها المذهبية والمناطقية، بل نظام يشكل رافعة لهذا الواقع نحو مستوى من الديمقراطية التي لايمكن أن تنشاء في ظل الواقع السياسي السائد . فكيف وهذا الواقع مثقل بتحديات الحياة ، حيث الاجيال الصاعدة التي يعتريها السخط من بؤس السياسات اللبنانية ، ورجالاتها من الذين اوصلوا البلد إلى هدا الكم الكبير من الدين ومن الازمات تتراكم دون أن يلوح في الافق بوادر حل لها, ولعل هذا قد جعل الغالبية من اللبنانين تستنكف عن التصويت حيث بلغت نسبتهم 50.8 ، اي أكثر من النصف ، وهذا بحسب ما اعلن وزير الداخلية، سيصبح من الخطاء الجسيم تأبيد هذا القانون لإنه يشكل في المحصلة نوعا من التجميل للنظام الانتخابي الذي مازال على قواعده إياها الطائفية والمذهبية . لكن الواقعية السياسية تقتضي من جانب اخر الاعتراف بأنه يتيح لان يكون جسراً نحو انتخابات نيابية على اساس النسبية، ولبنان دائرة انتخابية واحدة، وهذا يستتبعه تكتلات سياسية  تنافس على اساس أفقي يتجاوز المكان و خارج القيد الطائفي ، أما القول بان هذا يلغي الطوائف ، فهو وهم ٌ وزيفٌ يحاول البعض زرعه في العقول، فعكسه هو الصحيح حيث اثبتت المشاهدات ان التوزيع الطائفي والمناطقي قد خلق نوعا من التنافس على اسس غير موضوعية. حيث لعبة "شد الغطاء" إلى منطقة او مذهب رشوة سياسية سخيفة وساقطة، حولت الساسة إلى مضاربين في البورصة طلبا للكسب السياسي! ؛ هذا فضلاً عن أن الدائرة الكبرى هي وحدها التي تترجم روح النص الدستوري من كون النائب "يمثل الامة جمعاء". ليس الحديث عن هذا القانون طارئ على الحياة السياسية فقد طرحته "الحركة الوطنية اللبنانية" ، وصاغه رئيسها كمال جنبلاط وأفاض في شرح مزاياه . واحسب انه لو امكن من تلك الايام ان يسلك طريقة للتنفيذ لوفرنا على لبنان الكثير من الاهوال التي مرت عليه .
لا مجال بعد الان إلى معاندة الواقع، والذي ينبئنا بان لبنان الغارق في الحفرة، ما زال يحاول الخروج منها بمتابعة الحفر، فيما هو يحفر قبره في الواقع.

2018-05-08