ارشيف من :نقاط على الحروف
البناء ينهار.. بداية النهاية
كل الأكاذيب الصهيونية، التي نُسجت حول دولة من عالم آخر، مواطنوها "سوبر"، أسلحتها هي الأحدث والأجود والأطول مدى، نظامها حديدي، الاقتراب منها يساوى الهلاك قد ولّت وانتهت إلى غير رجعة، بسواعد شرفاء الأمّة، من حزب المقاومة.
الليلة الطويلة جدًا، وغير المسبوقة على ذهنيات من أسرهم الضعف والتردي والعجز العربي، جسدت تحقق رؤية السيد حسن نصر الله للكيان الغاصب، التي رآها واقعًا، ورأيناها بعده بسنوات عين اليقين" "أوهن من بيت العنكبوت"، وكانت كذلك يا سيد المقاومة.
فكرة الحرب التي لم تتقن الأمة العربية، في العصر الحاضر -على الأقل- امتلاكها، جسدتها معركة سوريا الطويلة الشاقة، مع نظام الناهب العالمي، والنتيجة صمود أسطوري، في حرب ضروس، كان أقلها فتكًا البارود، وأصعبها سهام العملاء المسمومة، التي تقذف في الظهور، ثم الأهم، انتقالها إلى زمن الرد والردع، في ليلة لم يعد بعدها كما كان قبلها.
سوريا وضعت قاعدة جديدة في "الشرق الأوسط"، ستجرى على أساسها أية صراعات مستقبلية، وهي واقعة حتمًا، لكن الاختلاف الحقيقي، أنها اختطفت "شرارة البدء" من الكيان الصهيوني، ففي كل معارك العرب منذ زرع الكيان، كانت البنادق العربية لا تتحرك إلا كرد فعل، وبالتالي ظلت المنطقة رهينة بتحرك يصدر من "تل أبيب"، وحتى حرب 73، لم تكن إلا ردًا على الاحتلال والصلف والغطرسة.
نهاية أطول أيام الحرب الكونية على سوريا، تزامن مع عيد النصر السوفياتي على النازية، بعد تضحيات مليونية، وتدمير شبه كلي للقوة البشرية والاقتصادية في كل غرب الاتحاد السوفياتي السابق.
دفع الروس، منذ 73 عامًا ضريبة النصر، بعد أن أسقط الهجوم الألماني في الأيام الأولى من المعارك، مساحات شاسعة من الأرض، و1500 طائرة، و600 ألف ضحية بين قتيل وأسير، لكن روسيا أكملت الطريق، بدافع وطني وضرورة إنسانية، لتبيد النازية من أوروبا والعالم، بعد أن ضحت بالملايين من أبنائها، وبأضعاف مضاعفة من السلاح والمال والموارد.
خرج الروس من التجربة المفروضة عليهم أقوى وأعظم، خرجوا نهائيًا من العصور الوسطى الإمبراطورية، حيث ترهل المساحة وصغر الدور، وكانت العقود التالية سوفيتية بامتياز، صعدوا للفضاء كأول البشر، وعبدّوا طريق التقدم للأمم كلها، وكانت دولتهم نموذجًا صناعيًا وعلميًا، وفاض ألق التجربة على العالم، ونال العالم العربي منه الكثير، والسد العالي في أسوان إحدى ثمار تعاونهم اللا محدود للعرب، وانتصار فيتنام شاهد على عبقرية السلاح وسخاء العطاء لمقاومي الإمبريالية الأمريكية، ووقفتهم إلى جوار الجيوش العربية عقب النكسة لا تنسى.
والوجود الروسي في معركة سوريا شكل عاملًا فارقًا، لكنه لم يكن ليحقق شيئًا لولا الجيش السوري وحلفائه على الأرض، من ارتضوا دفع ضريبة الدم عن الشرف العربي الممزق، في مصر والخليج، وغيرهما.
في الحرب تجد الأمم الحرة ذواتها، تكتب التاريخ، وتستفتح إمكانيات المستقبل، تصهر معادن الرجال، وتصقل الروح الوطنية، توحد الأيدي والقلوب، وتكتشف طرائق جديدة إلى العلا، وتؤسس معادلات التقدم والانتقال إلى عصر جديد، وزمن أبهى وأفضل.
سوريا التي خذلتها شقيقاتها العربية، أكثر مما يحتمل بلد، في 1973، ضللها السادات، وباع نصرها ونصر مصر، لقاء فتات، تمثل في رضا ومباركة الغرب، وتركتها في وسط المعركة وحيدة، تجابه آلة الحرب الأمريكية، لم تبع في المقابل قضيتها، في أي وقت، ووسط كل الظروف السوداء، التي عصفت بالمنطقة كبركان، منذ التفكك السوفيتي، مرورًا بحربي الخليج، وسقوط العراق تحت الاحتلال الأمريكي.
دمشق عادت شمسها تتألق، لتكون كما كانت في الماضي، القريب أو البعيد، الفاعل الأول في منطقتها، وصاحبة القول الفصل، بداية الحكاية البهية، لصفحة عربية جديدة، تتعلم من الماضي غير أسيرة له، وتسعي للمستقبل بغير كثير جهد كقدر مكتوب.
كمصري أولًا، وكعربي ثانيًا، شفى أبطال الجيش العربي العظام غليلي، من الصهاينة وذيول الصهاينة، دمشق جسدت الرد الأوفى على نظم العمالة والتبعية، كتبت الزنود الدامية والأجساد النازفة أن النصر واقع ومصير، وأن النهاية قريبة، بل أقرب مما نتصور، وباتت مرهونة بفعل عربي كامل، يدرك مصيرية اللحظة.