ارشيف من :أخبار العدو
الرد الصاروخي يربك طاولة القرار في ’تل ابيب’
شن كيان العدو هجوماً اعلامياً وسياسياً مواكباً، للعدوان العسكري الإسرائيلي الذي أعقب الرد الصاروخي واستهدف مواقع جيش العدو في الجولان المحتل. هَدَفَ الهجوم إلى احتواء المفاعيل المعنوية والردعية والاستراتيجية لاستهداف عشرات الصواريخ مواقع العدو للمرة الاولى منذ 44 عاما. ارتكز الخطاب الدعائي الإسرائيلي على تجاهل الرسائل التي انطوى عليها الرد الصاروخي وحضرت بقوة لدى صانع القرار السياسي والأمني في "تل ابيب"، وستواكبه مع دراسة خياراته العدوانية في كل محطة لاحقة. من دون أن يعني ذلك بالضرورة أن العدو سيكف عن مواصلة اعتداءاته في الساحة السورية.
الرسائل التي انطوى عليها الرد الصاروخي توزعت على الأبعاد الاستخبارية والعملانية والاستراتيجية، وقد تحضر بأقلام المعلقين والخبراء الاسرائيليين، الذين التزموا قرار الرقابة العسكرية، بل قد يصدر البعض منها على ألسنة بعض السياسيين مع توالي الايام، كما حصل في محطات مشابهة. وتجلى في هذا الرد مجموعة من الانتصارات، بدءا من معركة الارادات، ومروراً بكسر محاولات فرض قواعد اشتباك جديدة، وصولاً الى اختراق منظومات الاعتراض الصاروخي والاستخباري.
شكل استهداف الصواريخ لمواقع جيش العدو في الجولان المحتل فشلاً استخبارياً مدوياً. اذ بالرغم من الجهوزية الأمنية في الارض والسماء، ومعرفة العدو المسبقة أن ايران مصممة على الرد والحديث الإسرائيلي المتواصل عن جهود احباط قام بها الجيش، كشف اطلاق الصواريخ عن قدرات وكفاءات لدى محور المقاومة في التضليل والتمويه، في مواجهة التفوق التكنولوجي الذي تتمتع به أجهزة الرصد والمراقبة لدى العدو. ولا يعني ذلك الانتقاص من الكفاءات والقدرات التي تمتلكها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
لم يقتصر الفشل الاستخباري على توقيت الهجوم الصاروخي، بل شمل ايضا كل ما يتعلق بعناصره، مكانه وحجمه وتكتيكه، وهو أمر سيكون حاضراً لدى قيادة العدو في المراحل المقبلة ايضا.
ليس أمراً عابراً أو تفصيلياً أن تكون هذه العملية الصاروخية الاولى من نوعها في الجولان منذ العام 1974. وبحكم أنها أتت رداً على مسار عدواني محدد، يعني أن هذا الحدث سيحفر عميقاً في الوعي الإسرائيلي باعتباره بداية مسار، وليس حادثا يتيماً. وبتعبير أكثر دقة، لم تعد جبهة الجولان في حسابات العدو، هادئة بغض النظر عن التطورات الميدانية التي قد يشهدها العمق السوري والجبهات الأخرى. وستكون مرتبطة بالاداء العملاني الإسرائيلي.
رغم أن العدو كان في كامل جهوزيته العملانية والاعتراضية، انطلاقاً من أن مبدأ الرد لم يكن مفاجئاً للجانب الإسرائيلي، وكان الطيران الإسرائيلي وأجهزة الرصد والمراقبة تعمل على مدار الساعة، وتحديدا في المنطقة المحيطة بالجولان، رغم كل ذلك، اخترقت الصواريخ هذه المنظومات واستهدفت مواقع الجيش، بكثافة أربكته وصدمته، في مؤشر لما قد يواجهه الكيان الاسرائيلي في حال ذهب بعيدا باعتداءاته.
أتى الرد الصاروخي في أعقاب سيل من التهديدات التي توالت على ألسنة قادة العدو السياسيين والأمنيين. ووصلت إلى مستويات قل ما سبق أن بلغتها. حتى أنه تم التلويح باستهداف الرئيس بشار الاسد، واستهداف كامل الوجود الايراني في سوريا. وبالتالي فإن الرد الصاروخي يعني أن من اتخذ قرار الرد بهذا الحجم، وفي هذه الساحة، كان يتحدى المؤسستين السياسية والأمنية، ويضعها أمام سيناريوين اما التكيف مع السقف الذي فرضته هذه الضربة أو التدحرج نحو مواجهة عسكرية واسعة. وهو ما حضر بقوة لدى مؤسسة القرار السياسي، اذ كشفت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، عن خلاف نشب داخل المجلس الوزاري المصغر حول الموقف من استمرار الرد الإسرائيلي بين من يدعو إلى استمراره وتصاعده، كما دعا وزير الاسكان يوآف غالانت، في مقابل معارضة الجيش ووزراء اخرين، الذين طلبوا القيام بتقدير موقف، وبرروا موقفهم بأن "أي خطأ سيؤدي إلى تدخل حزب الله في المعادلة". وبدا ايضا من خلال موقف نتنياهو الذي اعتبر أن الرد الإسرائيلي كان متناسباً، أنه كان من أنصار التوقف عند هذا الحد تجنبا من الوقوع في فخ المواجهة الواسعة.
أما بخصوص الرد الإسرائيلي، الذي استهدف بحسب زعم العدو البنية التحتية للوجود الايراني في سوريا، فينبغي تسجيل الملاحظات التالية:
- لو كان هذا الامر صحيحاً، لما حصل خلاف داخل المجلس الوزاري المصغر حول ضرورة الاستمرار وتصعيد الرد، ولما كان هناك معنى للتذرع بعدم تنفيذ التهديدات التي سبق أن توعدوا بها، بأن ذلك قد يؤدي إلى تدخل حزب الله. وأكده نتنياهو ايضا، ردا على سؤال من قبل أحد الوزراء بأن لدى الايرانيين المزيد من القدرات للرد.
- إن من مسلمات تنفيذ رد صاروخي كالذي شهدناه، وبمعية التهديدات التي سبق أن اطلقها العدو، أن يتم اخلاء الاماكن التي يمكن أن يستهدفها العدو، ولا حاجة لمعلومات محددة للتأكد من أن هذا الامر قد حصل. وبالتالي فإن كل ما قيل عن هذه المزاعم هو مجرد اقاويل أراد من خلاله الكيان الاسرائيلي تحسين صورة ردعه أمام جمهوره، ما عدا بعض المواقع المتعلقة بالدفاع الجوي السوري الذي أثبت قدرته على اسقاط الصواريخ، وهذا انجاز كبير يسجل للدفاع الجوي السوري.