ارشيف من :نقاط على الحروف
’لا تكذبوا فقد رأينا بأم العين’
لم نكن بحاجة لمن يخبرنا بأن البيان العسكري الصهيوني الذي أعقب قيام الصواريخ السورية بدك عشرة مواقع صهيونية هامة في الجولان السوري المحتل يشتمل على الكثير من الأكاذيب والمغالطات، لأننا وبمنتهى البساطة شاهدنا مع عشرات آلاف السوريين، ومن على أسطح منازلنا وبأم العين حقيقة ما جرى، ما يجعلنا متأكدين من أن المستهدف الحقيقي من وراء بيان التضليل هذا هو الجمهور الصهيوني نفسه، الذي يبدو فعلا بأنه ضحية الدعاية العسكرية الكاذبة لحكومته لأسباب عديدة أهمها: زعم البيان العسكري الصهيوني بأن الصواريخ الإسرائيلية قد دمرت كل المواقع التي خرجت منها الصواريخ السورية المغيرة على بنك الأهداف الصهيونية في الجولان السوري المحتل، وهو الأمر الذي تكذبه رؤية السوريين بأم أعينهم لمشاهد إسقاط الدفاعات الجوية السورية لأغلب الصواريخ الصهيونية، وكذلك فإن البيان العسكري الصهيوني ركز على محاولات تسخيف قدرة الصواريخ السورية المغيرة والأداء اللافت للضباط والعناصر المشرفين على إطلاقها، والزعم بأنها لم تصب شيئا من أهدافها الأمر الذي يجعل الدعاية الصهيونية اليوم شبيهة بتلك التي درجت عليها الأنظمة العربية طوال عقود الصراع مع الكيان الصهيوني، وخصوصا خلال الأجواء التي سبقت ورافقت عدوان حزيران/ يونيو 1967 مع فارق الإستعداد الهائل والدائم للحرب من قبل هذا الكيان بما لا يقارن مع ما كانت تقوم به تلك الأنظمة في تلك الحقبة.
جمهور الكيان هو المستهدف بالدعاية المضللة
الأخطر من كل ذلك على كيان العدو الصهيوني، ما أورده أحد المحللين السياسيين العرب من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى إحدى الفضائيات المقاومة من أن الجمهور "الإسرائيلي" يؤمن بأنه قادر على خوض حرب شاملة ومفتوحة مع محور المقاومة وعلى الإنتصار فيها بشكل لا لبس فيه، وهنا بالتحديد يكمن جوهر التضليل الذي يعني لجوءا اسرائيليا إلى الكذب الصريح على جمهور يريد أن يتعامل مع الأمنيات كحقائق، وهذا أول الوهن، فكيف يمكن لجيش مجهز بأحدث تقنيات التكنولوجيا الحديثة وبعدما فشل، وعلى مدى ثلاثة وثلاثين يوما من حرب همجية خاضها على جبهة جغرافية صغيرة ومحدودة، وضد بضع مئات من مجاهدي المقاومة الإسلامية في لبنان و بغطاء دولي وعربي وإقليمي ودعم مفتوح من مثلث الطغيان هذا من أن يكسب حربا شاملة ومفتوحة ضد محور ممتد على مساحة جغرافية ضخمة، ويملك من مفاجآت هذه الحرب التي أحسن الإعداد لها ما لم يفصح عنه إلا القليل ما يمكن القفز إلى استنتاجه، وبوضوح شديد هو أنه كلما ضاقت الخيارات "الإسرائيلية الغربية الأعرابية" وهي تضيق بالفعل اتسعت خيارات محور المقاومة، ولو كان بإمكان الكيان الغاصب أن يلوي عنان الزمن ويعود به سنوات قليلة إلى الوراء لفضل عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الخامس عشر من آذار/ مارس للعام 2011، وهو التاريخ الذي شهد بداية التحرك الإخواني التكفيري المدعوم صهيونيا في سوريا، رغم الدمار الهائل الذي لحق بها كواحدة من أهم حلقات محور المقاومة، وما بدا أنه تهديد وجودي لها يقوده كيان العدو الصهيوني، بمعنى أن هناك قناعة حقيقية على مستوى القيادة العسكرية والسياسية الصهيونية بأن " العدو" قد بدأ بتحويل الأزمة إلى فرصة، أعاد من خلالها الوعي الشعبي السوري والعربي عموما إلى المربع الأول من لا شرعية الكيان الصهيوني، بعدما نجح هذا الأخير في الإيهام بفرض نفسه كأمر واقع باستخدام القوة الصلبة حينا، والقوة الناعمة احيانا آخرى وخصوصا بعد النجاحات الهائلة التي حققها على مستوى التطبيع الواعي والمدروس مع الأنظمة العربية، وتطبيع " اللاوعي" مع الشعوب التي كادت تسلم بعدم القدرة على اجتثاثه من جذوره، بل وذهبت حاضنة التكفير فيها إلى استدعاء التحالف معه لدواع مذهبية مستندة إلى التقاطعات الإيديولوجية الكبيرة فيما يخص الخلفية التكفيرية والإقصائية لكليهما.
لا يملك حكام الكيان الصهيوني الجرأة ولا القدرة على مكاشفة جمهورهم المغتصب لفلسطين بمحدودية قدرة " الردع " التي لم تعد ومنذ مدة طويلة صاحبة الكلمة العليا في الحروب وهم إذ يستعيرون مفرداتهم من زمن الهزيمة العربية فهذا مؤشر كبير على إمكانية أن تنسحب الهزيمة عليهم كذلك.
ما جرى من رشقات صاروخية وسياسية بين سوريا والكيان الصهيوني يحمل في طياته الكثير مما يمكن توقعه في المراحل المقبلة، مع فارق أن جمهورا اسرائيليا ينام في العسل سيستيقظ على كوابيس ستأتيه هذه المرة في اليقظة، فيما لا يملك جمهور المقاومة العريض على الساحتين العربية والإسلامية ترف ما يمكن أن يخسره وهو الذي وطن نفسه ومنذ زمن بعيد على أصعب المواجهات.