ارشيف من :نقاط على الحروف

هذا ما تستطيع مصر فعله

هذا ما تستطيع مصر فعله

كعربي، أشعر بخجل مضاعف مركب، يكمن في اهتراء الوضع العربي وخفوت رد الفعل الشعبي اللائق بشراسة الاستهداف ووصول الأوضاع الرسمية العربية لحقبة "اللعب على المكشوف". مصرياً، أشعر بخجل أكبر لما وصل اليه الموقف الرسمي المعلن من اعتراف بالعجز، جاء على لسان الرئيس السيسي مؤخرا، عندما قال "ونجري اتصالات مع الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني لوقف نزيف الدم، وعلى إخواننا الفلسطينيين ألا يؤدي تعبيرهم عن رفضهم للقرار بهم إلى إجراءات تؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا، وأرجو من الإسرائيليين أن يتفهموا أن ردود أفعال الفلسطينيين على نقل السفارة مشروعة لذا يجب التعامل بحرص شديد على أرواح الفلسطينيين".

وقال "إن مصر لا تستطيع أن تقدم أكثر مما تقدم الآن، وعاوزين نشتغل علشان يكون لنا تأثير أكبر، والتاثير مش بالكلام وإنما بالقدرة والعمل".

وهنا نريد أن نضع بعض النقاط على الحروف، بعيدا عن التخوين والاتهام بالتآمر، وكذلك بعيدا عن التبرير والتمادي في نغمة العجز التي قد تنطلي على الكثيرين. مجرد الحديث بلغة محايدة بين الفلسطينيين والمغتصبين الصهاينة، حتى في ظل معاهدات مزعومة للسلام، هو حديث معيب وانحياز للصهاينة، فاتفاقية السلام "المشؤومة" لا تبرر الصمت عن انتهاكات دولة الكيان، بما فيه الانتهاك للاتفاقيات ولروحها وتفاهماتها والانفراد باجراءات خارج سياقها وخارج القانون الدولي نفسه. كما أن الظرف الاقتصادي والسياسي الصعب لأي دولة لا يعني قبولها باملاءات اقليمية من النوع المؤسس لأوضاع جديدة ومن النوع الذي يعمل على تصفية قضايا مركزية بالإقليم.

وهنا عدة اسئلة تُطرح على القطاعات القابلة بهذا الوضع والمتفهمة له:

• ماذا يعيق مصر الرسمية عن اتخاذ مواقف مبدئية في الصراع مع الصهاينة مهما كان ظرفها الراهن صعبا؟ وهل اتخاذ مثل هذه المواقف سيزيد من أوضاعها صعوبة؟

• إن كانت مصر الرسمية لها حساسيات وتوازنات تجعلها عاجزة عن التحدي الصريح لأمريكا ودولة الكيان الصهيوني، فلماذا لا تلجأ الى مسارات فرعية غير مباشرة كدعم المقاومة المسلحة، أو حتى رفع الغطاء عن الأبواق المصرية المرتزقة التي تهاجم المقاومة بما يصب لصالح العدو الصهيوني؟

• إذا كانت مصر تريد ترتيب أولوياتها وفقا للرئيس وما قاله، بأن تعمل وتكبر لتحظى بالتأثير، فهنا سؤال لازم: وهو كيف تعمل وتكبر وبأي وسيلة، وهل هذه الوسيلة هي التي تعيقها حاليا عن الانحياز لمقاومة المشروع الصهيو-امريكي وتحول بينها وبين انحيازها الطبيعي للفلسطينيين وحقوقهم المشروعة؟ ولو كانت هذه الوسيلة هي التي تعرقل مصر، فكيف ستسمح لها لاحقا بممارسة الدور، أم أنها وسيلة ساذجة تستطيع مصر استخدامها مرحليا ثم إلقائها والتفرغ لممارسة الدور؟

ان المسكوت عنه هو أن مصر رهنت حياتها لصندوق النقد الدولي والمؤسسات العولمية الكبرى، والتزمت بما تلزمه هذه المؤسسات من شروط منها ما هو معلن ومنها ما هو جوهري غير معلن والذي يتمثل في الالتزام بنهج الاقتصاد الحر والالتزام بأمن كيان العدو الصهيوني.

هل أزمة مصر تجبرها على تمرير الاحتفال بالنكبة في فندق يطل على ميدان التحرير الذي أصبح عنوانا لثورتها؟
هل أزمة مصر تجبرها على الاحتفاظ بسلام دافئ دون حتى استدعاءات لسفير للاعتراض على قرار أحادي تصفوي، أو ادانة قتل العشرات من الفلسطينيين المطالبين بحقوقهم؟
هل أزمة مصر تجبرها على الانخراط في محور ابن سلمان الذي قال نصا أن الفلسطينيين اهدروا عشرات الفرص وانهم يجب ان يقبلوا بما يملى عليهم؟
هل أزمة مصر تجعلها عضوا في تحالف يقصف شعب اليمن، حتى ولو كان انضماما رمزيا؟
هل أزمة مصر تجعلها لا تعيد علاقاتها الرسمية مع سوريا وتجبرها على الاحتفاظ بقرار النظام الاخواني وهو أكثر أعداء النظام الحالي؟

تستطيع مصر الرسمية تقديم الكثير لفلسطين، وليس فتح المعبر، فهو إجراء طبيعي لا يجب وضعه في عداد العون أو المساعدة أو الدعم.
تستطيع مصر كف أيدي أبواق الاعلام والسماح بفعاليات الاحتجاج ووصول الرأي العام المصري المساند لقضاياه.
تستطيع مصر الا تكون طرفا في تصفية القضية الفلسطينية وهو أضعف الايمان.

2018-05-19