ارشيف من :نقاط على الحروف

أحلمُ.. من البحر إلى النهر

أحلمُ.. من البحر إلى النهر

لا تنسَ. إشتهِ ماضيك. قل.. ما زلتُ على قيد الحياة. ولديَّ ذاكرةٌ أنزعُ عنها صدأ التكرار. قل: كان يا ما كان، في الخامس والعشرين أيار، انتصار.
استعد الرواية، واستضئ بدمها... قل: أعيشُ كي أرى حلماً يمتدُّ من البحر إلى النهر، كي أصلَ إلى َصلي في فلسطين... قل: أجِّل موتك كثيراً، ترَ ولادة المستحيل: حرية الأرض ومَن عليها وما إليها. إياكَ أن تخسرَ ما كَسِبته وتنسى. موعودٌ أنت بأن تمشي في الهواء فرِحاً بما ينبتُه الدّم ويحتضنه الجرح. كن شجاعاً كالجنون واسمع صوت نبضِك الدائم. الخامس والعشرون من أيار فاتحة أزمنة البقاء والحياة.
لا تنسَ. امتحن ذاكرتَك. ماضيك وصيةُ حظٍّ أصاب مرماه. أيامك الماضية امتحانٌ لجُرأتك على الخيال.
كان الشكُّ بما لديك يؤسِّسُ ليأسك. إياك. رواية التحرير تُستعاد وفي كل عودةٍ قصة، عمَّن اجترحَ معجزةَ التصديق. تصديق كيف ينتصرُ الضعفاء على جبروتِ الطُّغيان وسطوة الاحتلال.
تقول الرواية: لا تمُت. ما زال أمامنا ريادةُ الأصعب. من قبلُ، كان الفتية يقايضون حياتهم هنا، بالخلود، ولقد كسبوا وانتصرنا.
***

أحلمُ.. من البحر إلى النهر


لا تنسَ. قل أنا ذاهبٌ مرة أخرى إلى فلسطين وسأصِل إليها. ليكن هذا إيمانك. إيمانك يخلِّصُك. من ليس مؤمناً بالانتصار كافرٌ بالمستقبل... حَفنة كانوا، ومضوا إلى التاريخ كالعصاة. غيّروا مسراه. من قبلُ، كانت الهزائم تلوكنا. بين هزيمة وهزيمة مجموعة هزائم. كانت حروبنا خاسرة قبل أن تبدأ. نذهب إلى القتال بخُفَّي حُنين.
حظنا الخسران. من قبلُ، سمينا الأزمنة بأسماء تشبه البكاء: زمن "النكبة"، زمن "النكسة". زمن "الانتصار المكسور"، زمن "الفتنة"، زمن "العسكر المنكسر"، زمن "الرجعية"، زمن "الاستبداد"، زمن "الطوائف"، زمن "الإخوة الأعداء"، زمن "الأحزاب الشاردة"، زمن "الجماهير المنسحقة"، زمن "القضايا الكاذبة"...
***
لا تنسَ. فليتسع قلبَك للآتي. صدّق حقَّك وقدّسه. ها هم يتدفقون في غزة. دمهم معمودية الولادة. تقاسم معهم الأملَ الصعب. ليلُ الاحتلال لا ينزاح وحده. هناك من يكشحه بإصبعَي انتصار. احمِ أَمَلك بصوت مرتفع. أصرخ ملء مسامعك. لن يبقى كل شيء كما كان. صنع المعجزات اختصاصٌ إنساني. اختصاص من آمن وتحمل وثابر وصبر وحسِب وظل على الزناد، حتى آخر العدو. من له هذه الرؤيا، هو من صنف البشر الحقيقيين الذين يعرفون معنى الحياة، وطعم الحرية والتحرير.

لا تنسَ. حمَّالة المفاتيح تحمل أسماء الأبواب هناك. تحفظُ البيوت بين تضاريسها وأسنانهاـ تعرف الوطن عن بكرة  أبنائه. لن تصدأ رغبة المفاتيح في معانقة الحارات. هذه كاتمة أسرار البيوت المغتصبة لا تزال تستعد ليوم الفتح. دعها تحلم بصرير اللقاء. يومها يفتتح الوطن نهاراته التي فقدها منذ سبعين عاماً. لا شيء يوجع المفاتيح مثل النسيان والتخلي واليأس.
***
لا تنسَ. اسمعْ صوتك القادم من داخلك. دعه يصدح بالنشيد: "إننا لعائدون". لن يخطئنا حظ الخروج من الخيام والشتات والقهر. العدو قوي في باطله. مستعدٌ للطعن والقتل والفتك. هذا زمانه المؤقت، إن قورن بالأزمنة العربية الماضية والراهنة. احتسبْ ازمنته ربحاً. باطله على حق، وحقنا ليس على باطل. بنى هيكله على  خيانات فاضحة. ولا مرة ذهبوا إلى فلسطين. أنظمة سيئة السمعة، اختصاصها الاقتصاص من شعوبها. "واعروبتاه"، ليس نداء استغاثة. خزيٌّ مدمِن على الكذب. "اسرائيل" لم تربح الا بمقدار التخلي. مصيبتنا في ماض ليس من صنع شعوبنا.
 

أحلمُ.. من البحر إلى النهر


***
لا تنسَ. أعداء الانتصار كثر جداً. يتقنون اللغة العربية جيداً. يصوِّبون على الانتصار. يفضلون البناء على الخسارة ـ يصرفون كل جهد وهمم لنصرة الخسارة. لا يخجلون بارتيابهم. لديهم بركة آلهة من سلالة قايين.
انتصارنا في الخامس والعشرين من أيار، طريدتُهم. لقد تدربوا على تقاليد الذئاب. صالوا وجالوا كي يحاصروا المقاومة. فشِلوا. اشتد كيدهم. تعاظم اضطهادهم. تكاثرت اتهاماتهم. نصبوا الشراك لها، طالبوا بـ"صفقة العصر".
صار الانتهاء من فلسطين ومن معها ومن فيها. سياسة معلنة. لا خجل أبداً. العرب البائدة يشنون حرب إبادة سياسية على فلسطين.
***
لا تنسَ. الصعودُ صعبٌ. وهذه هي جلجلتك وبعدها قيامتك. للهبوط، جاذبية الانحطاط. هذا هو مشهدنا اليوم. أموالهم تهطل على نصّابي السياسة في العالم. اميركا وحدت بين معشوقيها. أقامت لحمة اتصال بين الصهيونية وأصدقائها من "العَرب". يحتفلون بالنكبة على الضفاف "الناصرية". أين انت يا هرمَ العرب الكبير؟ بعد موتك أماتوا هنا العروبة والقضية، نقلوا العبرية إلى العربية. إنه ليل مرير هذا الزمن الرديء.
 

أحلمُ.. من البحر إلى النهر


***
لا تنسَ. إياك أن تصدق الغلط وتتساهل مع الخيانة. ألف مرة أعمى. من أن أرى مرة أخرى هذا المشهد العربي الذي ينتمي إلى العار. حدث ذلك مراراً بالكتمان. لم تعد الحرب مع الصهيونية وحدها. تباً. علينا أن نحمي ظهورنا من اعراب النفط. إخس. دع هذا الحاضر يستنزف حثالاته. الخامس والعشرون من أيار، ليس آخر الفصول. هو الفصل الأول من ملحمة الانتصارات، ومن يَعِش يرَ.
لا تخطىء الهدف. شعبك هدف طيبٌ. من دونه تذهبُ وحيداً وتهزم. شعبك إلا قلة منه، يقاسمك الامل، ولكنه مغتصب، تحريره واجبٌ كتحرير فلسطين. يخطىء من يظن أن فلسطين أسيرة الصهيونية وحدها. هي ضحية الأنظمة من زمان.
ها أنذا أقسم بأنني أعيش كي أحلم من "البحر إلى النهر"، وكي أركع أمام المفاتيح المصلوبة على صدأ الانتظار، وأَعِدُها بالأبواب... فلسطينُ، باب إلى الروح.

2018-05-22