ارشيف من :تحقيقات

اجتماع بمعارضين والقبض على غيرهم.. السيسي يحاول صنع واقع جديد

اجتماع بمعارضين والقبض على غيرهم.. السيسي يحاول صنع واقع جديد

كتبه للعهد من القاهرة - باسل المصري

منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية المصرية الماضية قام النظام الحاكم بعدة خطوات متناقضة في مظهرها الخارجي، مثل الاجتماع بممثلين لأحزاب معارضة للسلطة والعفو عن بعض منهم واعتقال عدد آخر. إجراءات قد تبدو في مظهرها متضاربة إلا أنه من الممكن أن يكون هناك هدف أخر.

مؤخراً، قامت قوات الأمن بالقبض على النشطاء هيثم محمدين وشادي الغزالي حرب ووائل عباس وشادي أبو زيد وأمل فتحي زوجة مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وذلك بالتزامن مع 3 اجتماعات تمت بين مكتب السيسي وممثلي بعض الأحزاب منهم معارضين للسيسي، والعفو عن بعض السجناء الذين تقدمت الأحزاب بأسمائهم.

ففي 26 ابريل/نيسان الماضي، وداخل جهاز المخابرات العامة بكوبري القبة وسط العاصمة القاهرة، اجتمع المقدم أحمد شعبان، الضابط بجهاز المخابرات الحربية والمنتدب بمكتب رئيس الجمهورية، بشكل سري، مع ممثلي عدد كبير من الأحزاب كان بينها عدة أحزاب معارضة للرئيس عبد الفتاح السيسي، ذلك الاجتماع الذي تكرر مرتين بعد ذلك.

ونقلاً عن 3 مصادر حضرت تلك الاجتماعات فإن الهدف منها كان ما قاله شعبان للحاضرين بأن النظام في مصر يريد فتح صفحة جديدة مع شباب الأحزاب للحوار بعيداً عن الاعلام حيث تكون كل الملفات مفتوحة للحوار والنقاش، وقد حضر ممثلي عدة أحزاب من المعارضين للسيسي مثل أحزاب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والدستور، والعدل والإصلاح والتنمية، بجانب عدد كبير من الأحزاب المؤيدة للسلطة منها أحزاب الغد والمؤتمر وحماة الوطن.

توضح المصادر بأن الاتفاق كان الاجتماع برئاسة الجمهورية، إلا أن الوسيط –وهي شخصية إعلامية بارزة-أوضحت بأن شعبان مكلف من الرئاسة بذلك الحوار إلا أن عمله يتم من داخل مبنى جهاز المخابرات. وبدأ كلامه بالإشارة إلى عدم نية السلطة إصدار أية قوانين أو قرارات من شأنها إغلاق الأحزاب أو دمجها، وأنهم يرون أنه من المصلحة العامة أن يندمج النشطاء السياسيون في الأحزاب القائمة وألا يكونوا مشتتين، حيث ترحب السلطة بالحوار مع كيانات وأن تكون كيانات قوية تجمع أفكار الشباب، لذا فإن الاجتماع هذا لتلاقي المصالح المشتركة، وأن هذا اللقاء كان من المفترض أن يتم قبل ذلك ولكن تم تأجيله بسبب الانتخابات الرئاسية حتى لا يتم فهمه خطأ، مطالباً الأحزاب بتقديم ورقة عن كيفية تطوير العمل الحزبي وتصور عن شكل الحياة السياسية في مصر وما يجب أن تكون عليه.

يضيف المصدر بأن أحزاب الموالاة بدأت الحديث عن عدم قبول أية تسويات أو مطالب للمعارضة قائلين بأن أهالي الشهداء يتأذون من الأحكام الهزلية أو البراءات للنشطاء أو المعارضين، تبعه كلمة لممثل الحزب الديمقراطي الاجتماعي والتي تحدث فيها عن المضايقات التي تتعرض لها القوى السياسية وخاصة مرشحي الرئاسة مثل خالد علي، ليُقاطعه شعبان قائلاً بأن علي كان "واخد راحته في جمع التوكيلات، وحقق نقطة لصالحه ضد النظام بالانسحاب الذي قام به بسبب عدم قدرته على المنافسة وجمع التوكيلات المطلوبة"، وهو ما رد عليه ممثل حزب الدستور بأن حملة علي قد تعرضت لمضايقات وانتهاكات منها اعتقال عدد من أعضاء الحملة وبعضهم تعرض للإهانة والضرب والتعذيب والذي كان أهم معوقات الحملة استكمال جمع التوكيلات، مؤكداً على أنه بالفعل من مصلحة النظام أن يكون هناك قوى معارضة، متطرقاً للحملات التي يشنها الأمن على الأعضاء والنشطاء والتدخلات الأمنية داخل الأحزاب بتأجيج الصراعات وتفجيرها داخلياً، والقبض على الأعضاء وغير الأعضاء من النشطاء مُقدماً قائمة بمعتقلي حزبه الحاليين.
 
وهو ما علق عليه شعبان بالقول إن هؤلاء أمام قضاء نزيه سيقرر مصيرهم. تبع ذلك طلب من أحد الضباط على مجموعة خاصة بالمشاركين عبر تطبيق "واتس آب" بإعداد قائمة بأسماء المعتقلين من الأحزاب للنظر بشأنها، والتي شملت بعد ذلك العديد من المعتقلين من الأحزاب والمستقلين "مثل أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح" ومن الممنوعين من السفر مثل اسراء عبد الفتاح"، وأشار المصدر إلى أنه تم الافراج عن عدد ممن شملتهم تلك القائمة في قرار العفو الأخير الذي أصدره السيسي بمناسبة شهر رمضان، كان منهم أندرو ناصف عضو حزب العيش والحرية وإسلام مرعي أمين تنظيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي. ويُشير المصدر على أن تلك القائمة كان المسؤول عنها ممثلي أحزاب المعارضة، والذين فوجئوا بطلب أحزاب الموالاة إضافة أسماء تخصهم للقائمة.

الاجتماع الثاني، تم داخل جهاز المخابرات العامة أيضاً رغم اعتراض بعض أحزاب المعارضة، كون ذلك يظهر تدخل السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية في العملية السياسية مثلما حدث في تشكيل البرلمان، وهو ما يتنافى مع مفهوم العمل السياسي. الاجتماع الثالث تم في مبنى المجالس القومية المتخصصة، وبحسب المصادر فإن ممثل الرئاسة قد طالب الحضور بعدم الإعلان عنه أو عن أي اجتماعات أخرى.

وخلال ذلك الاجتماع أشار المصدر إلى أن ممثل حزب الدستور –والذي تم تغييره في هذا الاجتماع - قد أبدى ترحيبه بالتواصل مع المعارضة لمد جسور الحوار، والذي أشار إلى تفهمه لنظرة بعض الأجهزة للثورة وأنهم لم يروا منها إلا قلة أدب من وجهة نظرهم، كما طالبهم بالصراحة أيضاً بالاعتراف بمصادرة الحياة السياسية والقضاء والإعلام والبرلمان، حتى وإن تم ذلك بناء على خوف السلطة على الصالح العام، وأن ذلك لن يُحل بشكل فوقي كمقترحات أحزاب الموالاة بإنشاء منتدي وطني للشباب أو بعمل معرض للأحزاب يحضره الرئيس.
 
ويشير المصدر إلى أن ممثل الرئاسة رد قائلاً بأنه من المؤكد أن هناك الجديد الذي استدعى تلك الخطوة وإلا " كان ممكن نقضيها زي السنين اللي فاتت ومنتواصلش معاكم أصلا"، وأن الهدف من تلك الاجتماعات ليس الاستعراض وهو ما يؤكده سريتها مشيرا الى حسن النية التي ستظهر في قوائم العفو عن المعتقلين.

أعقب تلك الاجتماعات انضمام المتحدث العسكري السابق العميد محمد سمير لحزب الوفد وتعيينه مساعداً لرئيس الحزب لشؤون الشباب، والذي تلاه دعوة من الحزب نفسه لكل الأحزاب المعترف بها من لجنة شؤون الأحزاب للتباحث حول إعادة بناء حياة حزبية جديدة تتوافق مع رؤية السلطة الحاكمة.

كل تلك الأحداث تُشير إلى أن السلطة في مصر تريد خلق واقع جديد قائم على اختيار واحد فقط وهو أن يُصبح المجال العام في مصر في يدها، وأن يكون هناك شكل للحياة السياسية –والذي ربما يكون التفكير فيه جاء وفق إملاءات أمريكية وغربية –إلا أن ذلك الواقع الجديد سيكون هو الخيار الوحيد، ومن يعترض عليه أو سيكون ذو تأثير في إفشاله سيكون مصيره المعتقل مثلما حدث مع النشطاء الذين تم القبض عليهم.

2018-05-24